الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوۤءَ وَٱلْفَحْشَآءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ }

قوله تعالى: { لَوْلاۤ أَن رَّأَى }: جوابُ لولا: إمَّا متقدِّمٌ عليها وهو قوله: " وَهَمَّ بها " عند مَنْ يُجيز تقديمَ جوابِ أدواتِ الشرط عليها، وإمَّا محذوفٌ لدلالة هذا عليه عند مَنْ لا يَرَىٰ ذلك، وقد تقدَّم تقريرُ المذهبينِ ومَنْ عُزِيا إليه غيرَ مرة كقولهم: " أنت ظالمٌ إن فعلْتَ " ، أي: إنْ فَعَلْتَ فأنت ظالمٌ، ولا تقول: إنَّ " أنت ظالمٌ " هو الجوابُ بل دالٌّ عليه، وعلى هذا فالوقفُ عند قوله: " برهان ربه " والمعنىٰ: لولا رؤيتُه برهانَ ربه لهمَّ بها لكنه امتنع هَمُّه بها لوجودِ رؤيةِ برهان ربه، فلم يَحْصُل منه هَمٌّ البتة كقولك: " لولا زيدٌ لأكرمتك " فالمعنىٰ أن الإِكرام ممتنعٌ لوجود زيد، بهذا يُتَخَلَّص من الأشكال الذي يورَدُ وهو: كيف يليق بنبيٍّ أن يَهُمَّ بامرأة؟.

قال الزمخشري: فإن قلت: قوله " وهمَّ بها " داخلٌ تحت القَسَم في قوله: { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ } أم خارجٌ عنه؟ قلت: الأمران جائزان، ومِنْ حَقِّ القارىء إذا قَصَدَ خروجَه من حكم القَسَم وجَعَلَه كلاماً برأسه أن يَقِفَ على قوله: { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ } ويبتدىء قولَه: { وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ } وفيه أيضاً إشعارٌ بالفرق بين الهَمَّيْن. فإن قُلْتَ: لِمَ جَعَلْتَ جَوابَ " لولا " محذوفاً يدلُّ عليه " وهَمَّ بها " وهَلاَّ جَعَلْتَه هو الجوابَ مقدَّماً. قلت. لأنَّ " لولا " لا يتقدَّم عليها جوابُها مِنْ قِبَلِ أنه في حكم الشرط، وللشرط صدرُ الكلام وهو [مع] ما في حَيِّزه من الجملتين مثلُ كلمةٍ واحدة، ولا يجوز تقديمُ بعضِ الكلمة على بعض، وأمَّا حَذْفُ بعضها إذا دَلَّ عليه الدليل فهو جائز ".

قلت: قوله " وأمَّا حَذْفُ بعضها " إلى آخره جواب عن سؤالٍ مقدرٍ وهو: فإذا كان جوابُ الشرط مع الجملتين بمنزلةِ كلمةٍ فينبغي أنْ لا يُحْذَفَ منهما شيءٌ، لأن الكلمةَ لا يُحذف منها شيءٌ. فأجاب بأنه يجوز إذا دلَّ دليلٌ على ذلك. وهو كما قال.

ثم قال: " فإن قلت: لِمَ جَعَلْتَ " لولا " متعلقةً بـ " هَمَّ بها " وحدَه، ولم تَجْعَلْها متعلقةً بجملةِ قوله: { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا }؟ لأنَّ الهمَّ لا يتعلَّق بالجواهر ولكن بالمعاني، فلا بد من تقدير المخالطة، والمخالطةُ لا تكون إلا بين اثنين معاً، فكأنه قيل:/ ولقد هَمَّا بالمخالطة لولا أنْ مَنَعَ مَانعُ أحدِهما. قلت: نِعْم ما قلت، ولكن اللَّه سبحانه قد جاء بالهمَّين على سبيل التفصيل حيث قال: { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا }.

قلت: والزَّجَّاج لم يرتضِ هذه المقالة، أعني كون قوله: " لولا " متعلقةً بـ " همَّ بها " فإنه قال: " ولو كان الكلامُ " ولهمَّ بها " لكان بعيداً، فكيف مع سقوط اللام "؟ يعني الزجاج أنه لا جائزٌ أن يكونَ " وهمَّ بها " جواباً لـ " لولا "؛ لأنه لو كان جوابَها لاقترن باللام لأنه مثبت، وعلى تقدير أنه كان مقترناً باللام كان يَبْعُدُ مِنْ جهةٍ أخرىٰ وهي تقديمُ الجوابِ عليها.

السابقالتالي
2 3