الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }

وقرأ أبو عمرو في رواية عبد الوارث والكسائي في رواية الأنطاكي " قِصصهم " بكسر القاف وهو جمع قِصة، وبهذه القراءة رجَّح الزمخشري عَوْدَ الضمير في " قصصهم " في القراءة المشهورة على الرسل وحدهم، وحكى أنه يجوز أن يعودَ على يوسُفَ وإخوته. وحكى غيرُه أنه يجوز أن يعودَ على الرسل وعلى يوسف وإخوته جميعاً. قال الشيخ: " ولا تَنْصُره ـ يعني هذه القراءة ـ إذا قصص يوسف وأبيه وإخوته مشتملٌ على قصصٍ كثيرة وأنباء مختلفة ".

قوله: { مَا كَانَ حَدِيثاً } في " كان " ضميرٌ عائد على القرآن، أي: ما كان القرآنُ المتضمِّنُ لهذه القصة الغريبة حديثاً مختلفاً، وقيل: بل هو عائد على القصص أي: ما كان القصص المذكور في قوله " لقد كان في قَصَصِهم ". وقال الزمخشري: " فإن قلت: فالإمَ يَرْجِع الضمير في { مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَىٰ } فيمن قرأ بالكسر؟ قلت: إلى القرآن أي: ما كان القرآن حديثاً ". قلت: لأنه لو عاد على " قِصصهم " بكسر القاف لوجب أن يكون " كانت " بالتاء لإِسناد الفعل حينئذ إلى ضمير مؤنث، وإن كان مجازياً.

قوله: { وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ } العامَّةُ على نصب " تصديق " ، والثلاثة بعده على أنها منسوقةٌ على خبر كان أي: ولكن كان تَصْدِيْقَ. وقرأ حمران بن أعين وعيسى الكوفي وعيسى الثقفي برفع " تصديق " وما بعده على أنها أخبار لمبتدأ مضمر أي: ولكن هو تصديق، أي: الحديث ذو تصديقٍ، وقد سُمع من العرب مثلُ هذا بالنصب والرفع، قال ذو الرمة:
2836 ـ وما كان مالي مِنْ تُراثٍ وَرِثْتُه   ولا ديةً كانَتْ ولا كَسْبَ مأثمِ
ولكنْ عطاءَ اللَّه من كل رحلةٍ   إلى كل محجوبِ السُّرادِقِ خِضْرَمِ
وقال لوط بن عبيد:
2837 - وإني بحمد اللَّه لا مالَ مسلمٍ   أخذْتُ ولا مُعْطي اليمينِ مُحالِفِ
ولكنْ عطاء اللِّهِ مْنِ مالِ فاجرٍ   قَصِيِّ المحلِّ مُعْوِرٍ للمَقارفِ
يُرْوى " عطاء اللَّه " في البَيتين منصوباً على " ولكن كان عطاء " ومرفوعاً على: ولكن هو عطاء اللَّه. وتقدَّم نظيرُ ما بقي من السورة فأغنى عن إعادته.