الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ }

قوله تعالى: { فَأَوْرَدَهُمُ }: يجوز أن تكونَ هذه المسألةُ من باب الإِعمال، وذلك أنَّ " يَقْدُمُ " يَصْلُح أن يتسلَّط على " النار " بحرف الجر، أي: يَقْدم قومَه إلى النار، وكذا " أَوْرَدَهم " يَصِحُّ تسلُّطه عليها أيضاً، ويكون قد أعمل الثاني للحذف مِن الأول، ولو أعمل الأولَ لتعدَّىٰ بـ إلى، ولأضمر في الثاني، ولا محلَّ لـ " أَوْرَدَ " لاستئنافِه، وهو ماضٍ لفظاً مستقبلٌ معنىً؛ لأنه عَطَفَ على ما هو نصٌّ في الاستقبال. والهمزة في " أَوْرَدَ " للتعدية، لأنه قبلها يتعدَّى لواحد. قال تعالىٰ:وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ } وقيل: أوقع الماضي هنا لتحقُّقه. وقيل: بل هو ماضٍ على حقيقته، وهذا قد وقع وانفصل وذلك أنه أوردهم في الدنيا النار. قال تعالىٰ:ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا } [غافر: 46]. وقيل: أوردهم مُوْجِبَها وأسبابها، وفيه بُعْدٌ لأجلِ العطف بالفاء.

والوِرْد: يكون مصدراً بمعنى الوُرود، ويكون بمعنى الشيء المُوْرَد كالطِّحن والرِّعي. ويُطلب أيضاً على الوارد، وعلى هذا إنْ جَعَلْت الوِرْد مصدراً أو بمعنى الوارد فلا بدَّ مِنْ حذف مضاف تقديره: وبئس مكانُ الورد المورود، وهو النار، وإنما احتيج إلى هذا التقدير لأنَّ تَصادُقَ فاعل نِعْمَ وبِئْسَ ومخصوصِها شرطٌ، لا يُقال: نِعْم الرجلُ الفرسَ. وقيل: بل المورود صفةً للوِرْد، والمخصوصُ بالذم محذوف تقديره: بئس الوِرْدُ المورود النارُ، جوَّز من ذلك أبو البقاء وابن عطية، وهو ظاهرُ كلامِ الزمخشري. وقيل: التقدير: بئسَ القومُ المورودُ بهم هم، فعلىٰ هذا " الورد " مرادٌ به الجمعُ الواردون، والمَوْرود صفةٌ لهم، والمخصوص بالذمِّ الضميرُ المحذوف وهو " هم " ، فيكون ذلك للواردين لا لموضع الوِرْد/ كذا قاله الشيخ. وفيه نظر لا يَخْفى: كيف يُراد بالوِرْد الجمع الواردون، ثم يقول والمورود صفةٌ لهم؟ وفي وصف مخصوص نعم وبئس خلافٌ بين النحويين منعه ابن السراج وأبو علي.