الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ }

قوله تعالى: { لَّيَقُولُنَّ }: هذا الفعلُ معربٌ على المشهور لأن النونَ مفصولةٌ تقديراً، إذا الأصلُ: ليقولونَنَّ: النون الأولى للرفع، وبعدها نونٌ مشددة، فاستثقلَ توالي ثلاثةِ أمثال، فحُذِفَتْ نونُ الرفع لأنها لا تدلُّ مِن المعنىٰ على ما تدل عليه نون التوكيد، فالتقى ساكنان، فحذفت الواوُ التي هي ضميرُ الفاعل لالتقائِهما، وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك.

و " ما يَحْبِسُه " استفهامٌ، فـ " ما " مبتدأ، و " يحبسُه " خبره، وفاعلُ الفعل ضميرُ اسم الاستفهام، والمنصوب يعود على العذاب، والمعنىٰ: أيُّ شيءٍ من الأشياء يَحْبِسُ العذاب؟.

قوله: { يَوْمَ يَأْتِيهِمْ } منصوبٌ بـ " مصروفاً " الذي هو خبر " ليس " ، وقد استدلَّ به جمهور البصريين على جواز تقديم خبر " ليس عليها، ووجهُ ذلك أن تقديمَ المعمول يُؤْذن بتقديم العامل، و " يومَ " منصوب بـ " مصروفاً " وقد تقدَّم على " ليس " فليَجُزْ تقديمُ الخبرِ بطريق الأولى؛ لأنه إذا تقدَّم الفرعُ فأَوْلَىٰ أن يتقدَّم الأصلُ. وقد رَدَّ بعضهم هذا الدليلَ بشيئين، أحدهما: أن الظرفَ يُتوسَّع فيه ما لا يُتوسَّع في غيره. والثاني: أن هذه القاعدةَ منخرمةٌ، إذ لنا مواضعُ يتقدم فيها المعمولُ ولا يتقدم فيها العامل، وأوردَ مِنْ ذلك نحوَ قوله تعالىٰ:فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ } [الضحى: 9-10] فاليتيمَ منصوب بـ " تقهرْ " ، و " السائلَ " منصوبٌ بـ " تَنْهَرْ " وقد تَقَدَّما على " لا " الناهية، ولا يتقدَّمُ العاملُ ـ وهو المجزوم ـ على " لا " ، وللبحث في هذه المسألة موضعٌ هو أليقُ به. قال الشيخ: " وقد تَتَبَّعْتُ جملةً من دواوين العرب فلم أظفر بتقديم خبر " ليس " عليها ولا بمعموله إلا ما دلَّ عليه ظاهرُ هذه الآية وقولِ الشاعر:
2637 ـ فيأْبىٰ فما يَزْدادُ إلا لَجاجَةً   وكنتُ أَبِيَّاً في الخَفَا لستُ أُقْدِمُ
واسمُ " ليس " ضميرٌ عائد على " العذاب " ، وكذلك فاعل " يأَْتيهم " ، والتقدير: ألا ليسَ العذاب مصروفاً عنهم يوم يأتيهم العذاب. وحكى أبو البقاء عن بعضهم أن العاملَ في " يومَ يأتيهم " محذوف، تقديره: أي: لا يُصْرَفُ عنهم العذابُ يوم يأتيهم، ودلَّ على هذا المحذوفِ سياق الكلام.