الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } * { وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ }

قوله تعالى: { سِيۤءَ }: فعلٌ مبنيٌّ للمفعول. والقائمُ مقامُ الفاعل ضميرُ لوط مِنْ قولِك " ساءني كذا " أي: حَصَل/ لي سُوْءٌ. و " بهم " متعلقٌ به أي: بسببهم. و " ذَرْعاً " نصبٌ على التمييز، وهو في الأصل مصدر ذَرَعَ البعير يَذْرَع بيديه في سَيْره إذا سار على قَدْر خَطْوِه، اشتقاقاً من الذِّراع، ثم تُوُسِّع فيه فوُضِعَ مَوْضِعَ الطاقة والجهد فقيل: ضاق ذَرْعُه أي: طاقتُه قال:
2690 ـ..................   فاقدِرْ بذَرْعِك وانظر أين تَنْسَلِكُ
وقد يقع الذِّراعُ موقِعَه قال:
2691 ـ إذا التَّيَّازُ ذو العَضَلاتِ قُلْنا   إليك إليك ضاقَ بها ذِراعا
قيل: هو كنايةٌ عن ضِيق الصدر.

وقوله: { عَصِيبٌ } العَصِيْبُ والعَصَبْصَبُ والعَصُوب: اليوم الشديد، الكثير الشرِّ الملتفُّ بعضُه ببعض قال:
2692 ـ وكنت لِزازَ خَصْمِكَ لم أُعَرِّدْ   وقد سَلكوك في يومٍ عصيبِ
وعن أبي عُبَيْد: " سُمِّي عَصِيباً لأنه يعصب الناسَ بالشرِّ ". والعِصَابَةُ: الجماعة من الناس سُمُّوا بذلك لإِحاطتهم إحاطةَ العَصابة.

قوله: { يُهْرَعُونَ } في محل نصب على الحال. والعامَّة على " يُهرعون " مبنياً للمفعول. والإِهراع: الإِسراع ويقال: وهو المَشْيُ بين الهَرْوَلة والجَمَز. وقال الهروي: هَرَع وأَهْرَعَ: اسْتَحَثَّ. وقرأت فرقة: " يَهْرعون " بفتح الياء مبنياً للفاعل مِنْ لغة " هَرَع ".

قوله: { هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي } جملةٌ برأسها، و " هنَّ أطهرُ لكم " جملةٌ أخرىٰ، ويجوز أن يكونَ " هؤلاء " مبتدأ، و " بناتي " بدلٌ أو عطفُ بيان، و " هنَّ " مبتدأ، و " أَطْهَرُ " خبره، والجملةُ خبر الأول. ويجوز أن يكونَ " هنَّ " فَصْلاً، و " أطهر " خبر: إمَّا لـ " هؤلاء " ، وإمَّا لـ " بناتي " ، والجملةُ خبر الأول.

وقرأ الحسن وزيد بن علي وسعيد بن جبير وعيسىٰ بن عمر والسدي: " أطهرَ " بالنصب. وخُرِّجت على الحال. فقيل: " هؤلا " مبتدأ، و " بناتي هُنَّ " جملةٌ في محلِّ خبره، و " أطهر " حال، والعاملُ: إمَّا التنبيهُ وإمَّا الإِشارةُ. وقيل: " هنَّ " فَصْلٌ بين الحال وصاحبها، وجُعِل من ذلك قولُهم: " أكثر أكلي التفاحةَ هي نضيجةً ". ومنعه بعض النحويين، وخرَّج الآيةَ على أن " لكم " خبر " هن " فلزمه على ذلك أن تتقدَّم الحالُ على عاملها المعنوي، وخرَّجَ المَثَلَ المذكور على أن " نضيجة " منصوبة بـ " كان " مضمرة.

قوله: { وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي }: الضيف في الأصل مصدرٌ، ثم أطلق على الطارق لميلانه إلى المُضيف، ولذلك يقع على المفرد والمذكر وضدَّيهما بلفظٍ واحدٍ، وقد يُثنَّى فيقال: ضَيْفان، ويُجْمع فيقال: أضايف وضُيوف كأبيات وبُيوت وضِيفان كحَوْض وحِيضان.