الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ }

قوله تعالى: { فَإِن تَوَلَّوْاْ }: أي: تَتَوَلَّوا فحذف إحدى التاءَيْن، ولا يجوز أن يكونَ ماضياً كقوله: " أَبْلَغْتكم " ، ولا يجوزُ أن يُدَّعَىٰ فيه الالتفات، إذ هو رَكاكَةٌ في التركيب وقد جَوَّزَ ذلك ابنُ عطية فقال: " ويُحْتمل أن يكون " تولَّوا " ماضياً، ويجيءُ في الكلام رجوعٌ من غَيْبة إلى خطاب ". وقلت: ويجوزُ أن يكونَ ماضياً لكن لمَدْرَكٍ آخرَ غيرِ الالتفات: وهو أن يكونَ على إضمار القول، أي: فقل لهم: قد أبلغْتُكم. ويترجَّح كونُه ماضياً بقراءة عيسى والثقفي والأعرج " فإن تُوَلُّوا " بضم التاء واللام، مضارعَ وَلَّىٰ بضم التاءِ واللام مضارعَ وَلي، والأصل تُوَلِّيُوا فأُعِلَّ.

قال الزمخشري: " فإن قلتَ: الإِبلاغ كان قبل التولِّي فكيف وقع جزاءً للشرط؟ قلت: معناه فإنْ تتولَّوا لم أعاتِبْ على تفريطٍ على الإِبلاغ، وكنتم محجوجين بأنَّ ما أَرْسَلْتُ به إليكم قد بلغكم فأبيتم إلا التكذيب.

قوله: { وَيَسْتَخْلِفُ } العامَّةُ على رفعِه استئنافاً. وقال أبو البقاء " هو معطوفٌ على الجواب بالفاء ". وقرأ عبد اللَّه بن مسعود بتسكينه، وفيه وجهان: أحدهما: أن يكون سُكِّن تخفيفاً لتوالي الحركات: والثاني: أن يكونَ مجزوماً عطفاً على الجواب المقترن بالفاء، إذ مَحَلُّه الجزمُ وهو نظيرُ قولِه: { فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ } وقد تقدَّم تحقيقُه، إلا أن القراءتين ثَمَّ في المتواتر.

قوله: { وَلاَ تَضُرُّونَهُ } العامَّة على النون، لأنه مرفوعٌ على ما تقدَّم، وابنُ مسعودٍ بحذفها، وهذا يُعَيِّن أن يكونَ سكونُ " يستخلف " جزماً، ولذلك لم يذكر الزمخشري غيره؛ لأنه ذكر جزمَ الفعلين، ولمَّا لم يذكرْ أبو البقاء الجزم في " تَضُرُّونه " جَوَّز الوجهين في " يَسْتخلف ".

و " شيئاً " مصدرٌ، أي: شيئاً من الضرر.