الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يٰبُنَيَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكَافِرِينَ }

قوله تعالى: { كَٱلْجِبَالِ }: صفةٌ لـ " مَوْج ". قوله: " نوحٌ ابنَه " الجمهورُ على كسر تنوين " نوح " لالتقاء الساكنين. وقرأ وكيع/ بضمِّه اتباعاً لحركة الإِعراب. واسْتَرْذَلَ أبو حاتم هذه القراءة وقال: " هي لغة سوء لا تُعرف ".

وقرأ العامة " ابنه " بوصل هاء الكناية بواو، وهي اللغةُ الفصيحةُ الفاشية. وقرأ ابن عباس بسكون الهاء. قال بعضهم: " هذا مخصوصٌ بالضرورة وأنشد:
2662 ـ وأَشْربُ الماء ما بيْ نحوَه عَطَشٌ   إلا لأنَّ عيونَهُ سيلُ واديها
وبعضُهم لا يَخُصُّه بها. وقال ابن عطية: إنها لغةٌ لأَزْد السراة ومنه قوله:
2663 ـ..................   ومِطْوايَ مُشْتاقان لَهْ أَرِقانِ
وقال بعضهم: " هي لغة عُقَيل وبني كلاب ".

وقرأ السدي: " ابناهْ " بألف وهاء السكت. قال ابن جني: " وهو على النداء ". وقال أبو البقاء: " ابناه: على التَرَثِّي وليس بندبة، لأنَّ الندبةَ لا تكون بالهمزة " وهو كلامٌ مُشْكِلٌ في نفسه، وأين الهمزةُ هنا؟ إن عَنَىٰ همزةَ النداءِ فلا نسلِّم أن المقدَّرَ مِنْ حروف النداء هو الهمزة، لأنَّ النحاةَ نصُّوا على أنه لا يُضْمر في حروف النداء إلا " يا " لأنها أمُّ الباب. وقوله: " الترثّي " هو قريب في المعنى من الندبة. وقد نَصُّوا على أنه لا يجوز حَذْفُ النداء من المندوب وهذا شبيه به.

وقرأ عليٌّ عليه السلام: " ابنها " إضافة إلى امرأته كأنه اعتبرَ قولَه " ليس من أهلك ". وقوله: " ابني " و " من أهلي " لا يدلُّ له لاحتمالِ أن يكونَ ذلك لأجل الحنوّ، وهو قول الحسن وجماعة.

وقرأ محمد بن علي وعروة والزبير: " ابْنَهَ " بهاء مفتوحة دون ألف، وهي كالقراءةِ قبلَها، إلا أنه حَذَفَ ألف " ها " مُجْتزئاً عنها بالفتحة، كما تُحذف الياءُ مُجْتَزَأً عنها بالكسرة. قال ابن عطية: " هي لغة " وأنشد:
2664 ـ أمَا تقودُ بها شاةً فتأكلُها   أو أنْ تبيعَهَ في بعض الأراكيبِ
يريد: " تبيعَها " فاجتزأ بالفتحة عن الألف، كما اجتزأ الآخر عنها في قوله: ـ أنشده ابن الأعرابي على ذلك ـ.
2665 ـ فلستُ براجعٍ ما فاتَ مني   بِلَهْفَ ولا بِلَيْتَ ولا لوَاني
يريد: يا لَهْفا، فحذف، وهذا يخصُّه بعضهم بالضرورة، ويمنع في السَّعة يا غلامَ في يا غلاما. قلت: وسيأتي في نحو: " يا أبتَ " بالفتح: هل ثَمَّ ألفٌ محذوفة أم لا؟ وتقدم لنا خلاف في نحو: يابنَ أمَّ ويابنَ عَمَّ: هل ثَمَّ ألفٌ محذوفة مجتزَأٌ عنها بالفتحة أم لا؟ فهذا أيضاً كذلك، ولكن الظاهرَ عدمُ اقتياسه.

السابقالتالي
2