الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قوله تعالى: { وَقَالَ }: يجوز أن يكونَ الفاعلُ ضميرَ نوح عليه السلام، ويجوز أن يكونَ ضمير الباري تعالىٰ أي: وقال اللَّه لنوح ومَنْ معه. و " فيها متعلقٌ بـ " اركبوا " وعُدِّي بـ " في " لتضمُّنه معنىٰ " ادخلوا فيها راكبين " أو سيروا فيها. وقيل: تقديره: اركبوا الماء فيها. وقيل: " في " زائدةٌ للتوكيد.

قوله: { بِسْمِ ٱللَّهِ } يجوز أن يكونَ هذا الجار والمجرور حالاً من فاعل " اركبوا " أو مِنْ " ها " في " فيها " ، ويكون " مجراها " و " مرساها " فاعلين بالاستقرار الذي تَضَمَّنه الجارُّ لوقوعه حالاً. ويجوز أن يكونَ " بسم اللَّه " خبراً مقدماً، و " مَجْراها " / مبتدأً مؤخراً، والجملة أيضاً حالٌ مما تقدَّم، وهي على كلا التقديرين حالٌ مقدَّرةٌ كذا أعربه أبو البقاء وغيرُه. إلا أنَّ مكيَّاً منع ذلك لخلوِّ الجملة من ضمير يعود على ذي الحال إذا أَعْرَبْنا الجملةَ أو الجارَّ حالاً من فاعل " اركبوا " قال: " ولا يَحْسُنُ أن تكونَ هذه الجملةُ حالاً من فاعل " اركبوا " لأنه لا عائدَ في الجملةِ يعودُ على المضمر في " اركبوا "؛ لأن المضمرَ في " بسم اللَّه " إنْ جَعَلْتَه خبراً لـ " مَجْراها " فإنما يعود على المبتدأ وهو مجراها، وإن رَفَعْتَ " مجراها " بالظرفِ لم يكن فيه ضميرُ الهاء في " مجراها " وإنما تعود على الضمير في " فيها، وإذا نَصَبْتَ " مجراها " على الظرفِ عَمِل فيه " بسم اللَّه " ، وكانت الجملةُ حالاً من فاعل " اركبوا ".

وقيل: { بِسْمِ ٱللَّهِ } حال من فاعل " اركبوا " ومَجْراها ومُرْساها في موضع الظرف المكاني أو الزماني، والتقدير: اركبوا فيها مُسَمِّين موضعَ جريانها ورُسُوِّها، أو وقتَ جريانِها ورسوِّها. والعامل في هذين الظرفين حينئذٍ ما تضمَّنه " بسم اللَّه " من الاستقرار، والتقدير: اركبوا فيها متبرِّكين باسم اللَّه في هذين المكانين أو الوقتين. قال مكي: " ولا يجوزُ أن يكونَ العاملُ فيهما " اركبوا " لأنه لم يُرِدْ: اركبوا فيها في وقت الجَرْي والرسُوِّ، إنما المعنى: سَمُّوا اسمَ اللَّه في وقت الجَرْي والرسوِّ ".

ويجوزُ أيضاً أن يكون " مَجْراها ومُرْساها " مصدرين، و " بسم اللَّه " حالٌ كما تقدَّم، رافعاً لهذين المصدرين على الفاعلين أي: استقرَّ بسم اللَّه إجراؤها وإرساؤها، ولا يكون الجارُّ حينئذٍ إلا حالاً من " ها " في " فيها " لوجود الرابط، ولا يكون حالاً من فاعل " اركبوا " لعدمِ الرابط.

السابقالتالي
2