قوله تعالى: { إِنَّي لَكُمْ }: قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي " أني " بفتح الهمزة، والباقون بكسرها. فأمَّا الفتح فعلى إضمار حرفِ الجر، أي: بأني لكم. قال الفارسي: " في قراءة الفتح خروجٌ من الغَيْبة إلى المخاطبةِ ". قال ابن عطية: وفي هذا نظر، وإنما هي حكايةُ مخاطبتهِ لقومه، وليس هذا حقيقة الخروج من غَيْبةٍ إلى مخاطبة، ولو كان الكلام أن أَنْذِرْهم ونحوه لصح ذلك ". وقد قال بهذه المقالة ـ أعني الالتفات ـ مكي فإنه قال: " الأصل: بأني والجارُّ والمجرور في موضع المفعول الثاني، وكان الأصلُ: أنه، لكنه جاء على طريقة الالتفات ". انتهى، ولكن هذا الالتفاتَ غيرُ الذي ذكره أبو علي، فإنَّ ذاك من غيبة إلى خطاب، وهذا من غيبةٍ إلى تكلُّم، وكلاهما غير محتاج إليه، وإن كان قولُ مكي أقربَ. وقال الزمخشري: " الجارُّ والمجرور صلةٌ لحالٍ محذوفة، والمعنىٰ: أرسلناه ملتبساً بهذا الكلام، وهو قوله: { إِنَّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } بالكسر، فلما اتصل به الجارُّ فُتِح كما فتح في " كأنَّ " والمعنى على الكسر في قولك: " إن زيداً كالأسد ". وأما الكسرُ فعلى إضمار القول، وكثراً ما يُضْمر، وهو غني عن الشواهد.