الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ }

قوله تعالى: { أَفَمَن كَانَ } فيه وجهان، أحدهما: أنه مبتدأ والخبرُ محذوفٌ، تقديره: أفَمَنْ كان على هذه الأشياء كغيره، كذا قدَّره أبو البقاء، وأحسنُ منه " أَفَمَنْ كان كذا كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها " ، وحَذْفُ المعادلِ الذي دخلت عليه الهمزةُ كثيرةٌ نحو:أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءَ عَمَلِهِ } [فاطر: 8]أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ } [الزمر: 9] إلى غير ذلك. وهذا الاستفهام بمعنىٰ التقرير. الثاني ـ وإليه نحا الزمخشري ـ أن هذا معطوفٌ على شيءٍ محذوفٍ قبله، تقديره: أمَّن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها كمَنْ كان على بَيِّنَة، أي: لا يعقبونهم في المنزلة ولا يقاربونهم، يريد أنَّ بين الفريقين تفاوتاً، والمرادُ مَنْ آمَن مِن اليهود كعبد اللَّه بن سلام، وهذا على قاعدتِه مِنْ تقديره معطوفاً بين همزة الاستفهام وحرفِ العطف، وهو مبتدأٌ أيضاً، والخبرُ محذوفٌ كما تقدَّم تقريرُه.

قوله: { وَيَتْلُوهُ } اختلفوا في هذه الضمائر، أعني في " يتلوه " ، وفي " منه " ، وفي " قبله ": فقيل: الهاء في " يتلوه " تعود/ على " مَنْ " ، والمرادُ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم وكذلك الضميران في " منه " و " قبله " والمرادُ بالشاهد لسانُه عليه السلام، والتقدير: ويتلو ذلك الذي على بَيِّنة، أي: ويتلو محمداً ـ أي صِدْقَ محمدٍ ـ لسانُه، ومِنْ قبلِه، أي قبل محمد. وقيل: الشاهدُ هو جبريلُ، والضمير في " منه " للَّه تعالىٰ، و " من قبله " للنبي. وقيل: الشاهدُ الإِنجيلُ و " كتاب موسىٰ " عطف على " شاهد " ، والمعنىٰ أن التوراة والإِنجيل يتلوان محمداً في التصديق، وقد فَصَلَ بين حرفِ العطف والمعطوف بقوله: " من قبله " ، والتقدير: شاهدٌ منه، وكتاب موسىٰ من قبله، وقد تقدَّم الكلامُ على الفصل بين حرف العطفِ والمعطوفِ مُشْبعاً في النساء.

وقيل: الضمير في " يتلوه " للقرآن وفي " منه " لمحمد عليه السلام. وقيل: لجبريل، والتقدير: ويتلو القرآنَ شاهدٌ من محمدٍ وهو لسانُه، أو مِن جبريلَ. والهاءُ في " من قبلِه " أيضاً للقرآن. وقيل: الهاءُ في " يَتْلوه " تعود على البيان المدلولِ عليه بالبيِّنة. وقيل: المرادُ بالشاهدِ إعجازُ القرآن، فالضمائر الثلاثة للقرآن. وهذا كافٍ، ووراء ذلك أقوالٌ مضطربةٌ غالبُها يَرْجِع لما ذكرْتُ.

وقرأ محمد بن السائب الكلبي " كتابَ موسىٰ " بالنصبِ وفيه وجهان، أحدهما ـ وهو الظاهر ـ أنه معطوف على الهاء في " يتلوه " ، أي: يتلوه ويتلو كتابَ موسى، وفصلَ بالجارِّ بين العاطفِ والمعطوف. والثاني: أنه منصوبٌ بإضمارِ فعلٍ. قال أبو البقاء: وقيل: تمَّ الكلامُ عند قولِه " منه " و " كتابَ موسىٰ " ، أي: ويتلو كتابَ موسىٰ " فقدَّر فعلاً مثلَ الملفوظِ به، وكأنه لم يرَ الفصلَ بين العاطفِ والمعطوفِ فلذلك قَدَّر فعلاً.

السابقالتالي
2