الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا }: يجوز أن يتعلَّقَ " فيها " بـ " حَبِط " ، والضميرُ على هذا يعود على الآخرة، أي: وظهر حبوطُ ما صنعوا في الآخرة. ويجوز أن يتعلَّقَ بـ " صنعوا " فالضمير على هذا يعود على الحياة الدنيا كما عاد عليها في قوله { نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا }. و " ما " في " ما صنعوا " يجوز أن تكون بمعنى الذي فالعائدُ محذوفٌ، أي: الذي صنعوه، وأن تكونَ مصدريةً، وحَبِط صُنْعُهم.

قوله: { وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ } الجمهورُ قرؤوا برفع الباطل، وفيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكونَ " باطل " خبراً مقدماً، و { مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } مبتدأٌ مؤخرٌ. و " ما " تحتمل أن تكن مصدريةً، أي: وباطلٌ كونُهم عاملين، وأن تكونَ بمعنى الذي والعائد محذوف، أي: يعملونه، وهذا على أنَّ الكلامَ من عطفَ الجمل، عَطَفَ هذه الجملةَ على ما قبلها. الثاني: أن يكونَ " باطل " مبتدأً و { مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } خبرُه، هكذا قال مكي بن أبي طالب وهو لا يَبْعُدُ على الغلط، والعجبُ أنه لم يّذْكر غيره. الثالث: أن يكونَ " باطل " عطفاً على الأخبارِ قبله، أي: أولئك باطلٌ ما كانوا يعملون، و { مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } فاعلٌ بـ " باطل " ، ويرجح هذا ما قرأ به زيد بن علي: { وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } جعله فعلاً ماضياً معطوفاً على " حَبِط ".

وقرأ أُبَيّ وابن مسعود ـ قال مكي: " وهي في مصحفهما كذلك " ـ ونقلها الزمخشري عن عاصم " وباطلاً " نصباً وفيها ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه منصوبٌ بـ " يعملون " و " ما " مزيدة، وإلى هذا ذهب مكي وأبو البقاء وصاحب " اللوامح " ، وفيه تقديمُ معمولِ خبرِ " كان " على " كان " وهي مسألة خلاف، والصحيحُ جوازُها كقوله تعالىٰ:أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ } [سبأ: 40] فالظاهرُ أن " إياكم " منصوب بـ " يعبدون ". والثاني: أن تكونَ " ما " إبهاميةً، وتنتصب بـ " يعملون " ومعناه: " باطلاً أيَّ باطلٍ كانوا يعملون " ، والثالث: أن يكون " باطلاً " بمعنىٰ المصدر على بَطَلَ بُطْلاناً ما كانوا يعملون، ذكر هذين الوجهين الزمخشري، ومعنىٰ قوله " ما " إبهامية أنها هنا صفةٌ للنكرة قبلها، ولذلك قَدَّرها بـ " باطلاً أيَّ باطل " فهو كقوله:
2643 ـ....................   وحديثٌ ما على قِصَرِهْ
و " لأمرٍ ما جَدَعَ قصيرٌ أَنْفَه " ، وقد قدَّم هو ذلك في قوله تعالىٰ:مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً } [الزمر: 9].