الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ وَأَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ }

قوله تعالى: { أَنَّمَآ أُنزِلِ }: " ما " يجوز أن تكون كافةً مهيِّئة. وفي " أُنْزِل " ضميرٌ يعود على ما يوحَىٰ إليك، و " بعلمٍ " حال أي: ملتبساً بعلمِه، ويجوزُ أن تكونَ موصولةً اسميةً أو حرفية اسماً لـ " إنَّ " فالخبرُ الجارُّ تقديرُه: فاعلموا أن تنزيلَه، أو أنَّ الذي أُنْزِل ملتبسٌ بعلمٍ.

وقرأ زيد بن علي " نَزَّل " بفتح النون والزاي المشددة، وفاعل " نَزَّل " ضميرُ اللَّه تعالىٰ، و { وَأَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } نسقٌ على " أنَّ " قبلها، ولكن هذه مخففةٌ فاسمُها محذوفٌ، وجملةُ النفي خبرُها.

قوله: { نُوَفِّ } الجمهورُ على " نُوَفِّ " بنون العظمة وتشديد الفاء مِنْ وَفَّى يُوَفِّي، وطلحة وميمون بياء الغيبة، وزيد بن علي كذلك إلا أنه خَفَّفَ الفاءَ مِنْ أوفىٰ يوفي، والفاعلُ في هاتَيْن القراءتين ضميرُ اللَّه تعالى. وقرىء " تُوَفَّ " بضم التاء وفتح الفاء مشددةً مِنْ وفّىٰ يُوَفِّى مبنياً للمفعول. " أعمالُهم " بالرفع قائماً مقام الفاعل. وانجزم " نُوَفِّ " على هذه القراءاتِ لكونِه جواباً للشرط، كما في قوله تعالىٰمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ [فِي حَرْثِهِ] وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنهَا } [الشورى: 20].

وزعم الفراء أن " كان " زائدة قال: " ولذلك جَزَم جوابَه " ولعلَّ هذا لا يصح إذ لو كانت زائدةً لكان " يريد " هو الشرط، ولو كان شرطاً لانجزم، فكان يُقال: مَنْ كان يُرِدْ ".

وزعم بعضُهم أنه لا يُؤْتىٰ بفعل الشرط ماضياً والجزاء مضارعاً إلا مع " كان " خاصة، ولهذا لم يَجِىءْ في القرآن إلا كذلك، وهذا ليس بصحيحٍ لوروده في غير " كان " قال زهير:
2639 ـ ومَنْ هاب أسبابَ المنايا يَنَلْنَه   ولو رام أسبابَ السماء بسُلَّمِ
وأما القرآن فجاء من باب الاتفاق أنه كذلك.

وقرأ الحسن البصري " نوفِي " بتخفيف الفاء/ وثبوتِ الياء مِنْ أوفى، ثم هذه القراءةُ محتمِلَةٌ: لأن يكون الفعل مجزوماً، وقُدِّر جزمُه بحذفِ الحركة المقَّدرة كقوله:
2640 ـ ألم يَأْتيك والأنباءُ تُنْمي   بما لاقَتْ لَبُونُ بني زياد
على أن ذلك قد يأتي في السَّعَةِ نحو: { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ } [يوسف: 90]، وسيأتي محرَّراً في سُورته، ولأن يكون الفعلُ مرفوعاً لوقوع الشرط ماضياً كقوله:
2641 ـ وإنْ شُلَّ رَيْعانُ الجميعِ مخافةً   نقولُ جِهاراً ويَلْكُمْ لا تُنَفِّروا
وكقول زهير:
2642 ـ وإنْ أتاه خليلٌ يومَ مَسْألةٍ   يقولُ لا غائبٌ مالي ولا حَرِمُ
وهل الرفعُ لأنه على نيةِ التقديمِ وهو مذهبُ سيبويه أو على نية الفاءِ، كما هو مذهب المبرد؟ خلافٌ مشهور.