الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ }

قوله تعالى: { طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ }: ظرفٌ لـ " أَقِمْ ". ويضعف أن يكون ظرفاً للصلاة، كأنه قيل: أي: أقم الصلاة الواقعة في هذين الوقتين، والطَرَف وإن لم يكن ظرفاً، ولكنه لمَّا أضيف إلى الظرف أُعْرب بإعرابه، وهو كقولك: " أتيته/ أولَ النهار وآخرَه ونصفَ الليل " بنصبِ هذه كلِّها على الظرفِ لمَّا أضيفَتْ إليه، وإن كانت ليسَتْ موضوعةً للظرفية.

وقرأ العامَّةُ " زُلَفاً " بضم الزاي وفتح اللام، وهي جمعُ " زُلْفة " بسكون اللام، نحو: غُرَف في جمع غُرْفة، وظُلَم في جمعِ ظُلْمة. وقرأ أبو جعفر وابن أبي إسحاق بضمها، وفي هذه القراءةِ ثلاثةُ أوجه، أحدها: أنه جمع زُلْفة أيضاً، والضمُّ للإِتباع، كما قالوا بُسْرة وبُسُر بضم السين إتباعاً لضمة الباء. والثاني: أنه اسمٌ مفرد على هذه الزِّنة كعُنُق ونحوه: الثالث: أنه جمع زَلِيف، قال أبو البقاء: " وقد نُطِق به " ، يعني أنهم قالوا: زَليف، وفَعيل يُجمع على فُعُل نحو: رَغِيف ورُغُف، وقَضِيب وقُضُب.

وقرأ مجاهد وابن محيصن بإسكان اللام. وفيها وجهان، أحدهما: أنه يُحتمل أَنْ تكونَ هذه القراءةُ مخففةً مِنْ ضم العين فيكون فيها ما تقدَّم. والثاني: أنه سكونُ أصلٍ من باب اسمِ الجنس نحو: بُسْرة وبُسْر مِنْ غير إتباع.

وقرأ مجاهد وابن محيصن أيضاً في روايةٍ " وزُلْفَى " بزنة " حُبْلَى " ، جَعَلُوها على صفةِ الواحدة المؤنثة اعتباراً بالمعنىٰ، لأنَّ المعنىٰ على المنزلة الزلفى، أو الساعة الزُّلْفىٰ، أي: القريبة. وقد قيل: إنه يجوز أن يكونَ أَبْدلا التنوين ألفاً ثم أَجْرَيا الوصل مُجرىٰ الوقف، فإنهما يقرآن بسكون اللام وهو محتمَلٌ. وقال الزمخشري: " والزُّلْفى بمعنى الزُّلْفَة، كما أن القُرْبى بمعنى القُرْبة " ، يعني أنه مما تَعَاقَبَ فيه تاءُ التأنيث وألفه.

وفي انتصاب " زُلَفاً " وجهان، أظهرهما: أنه نسقٌ على " طرفي " فينتصب الظرف، إذ المرادُ بها ساعات الليل القريبة. والثاني: أن ينتصبَ انتصابَ المفعول به نسقاً على الصلاة. قال الزمخشري: ـ بعد أن ذكر القراءاتِ المتقدمة ـ " وهو ما يقرب مِنْ آخر النهار ومن الليل، وقيل: زُلَفاً من الليل وقُرْباً من الليل، وحَقُّها على هذا التفسير أن تعطف على الصلاة، أي: أقم الصلاة طرفي النهار، وأقم زُلَفاً من الليل، على معنى: صلوات تتقرَّب بها إلى اللَّه عز وجل في بعض الليل ".

والزُّلْفَةُ: أولُ ساعات الليل، قاله ثعلب. وقال الأخفش وابن قتيبة: " الزُّلَف: ساعاتُ الليل وآناؤه، وكل ساعةٍ منه زُلْفَة " فلم يُخَصِّصاه بأول الليل. وقال العجَّاج:
2729 ـ ناجٍ طواه الأَْيْنُ مِمَّا وَجَفا   طَيَّ الليالي زُلَفاً فَزُلَفا
سَماوَةَ الهلالِ حتى احْقَوْقَفا   
وأصلُ الكلمة مِنْ " الزُّلْفَى " وهو القُرْب، يقال: أَزْلَفه فازْدَلَفَ، أي: قَرَّبه فاقتربَ. قال تعالىٰ:وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ } [الشعراء: 64] وفي الحديث: " ازْدَلِفوا إلى اللَّه بركعتين " وقال الراغب: " والزُّلْفَةُ: المَنْزِلَةُ والحُظْوَة، وقد اسْتُعْمِلت الزُّلْفَة في معنىٰ العذاب كاستعمال البِشارة ونحوها، والمزالِفُ، المَراقي، وسُمِّيَتْ ليلةَ المزدلفة لقُرْبهم مِنْ مِنى بعد الإِفاضة ".

وقوله: { مِّنَ ٱلْلَّيْلِ } صفةٌ لـ " زُلَفاً ".