الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

قوله تعالى: { وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ }: هذه الآيةُ الكريمة مما تَكَلَّم الناسُ فيها قديماً وحديثاً، وعَسُر على أكثرِهم تلخيصُها قراءةً وتخريجاً، وقد سَهَّل اللَّه تعالىٰ، فذكرْتُ أقاويلهم وما هو الراجحُ منها.

فقرأ نافع وابن كثير وأبو بكر عن عاصم: " وإنْ " بالتخفيف، والباقون بالتشديد. وأمَّا " لمَّا " فقرأها مشددةً هنا وفي يس، وفي سورة الزخرف، وفي سورة ٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ، ابنُ عامر وعاصمٌ وحمزةُ، إلا أن عن ابن عامر في الزخرف خلافاً: فروَىٰ عنه هشامٌ وجهين، وروىٰ عنه ابن ذكوان التخفيفَ فقط، والباقون قرؤوا جميع ذلك بالتخفيف. وتلخص من هذا: أنَّ نافعاً وابن كثير قرآ: " وإنْ " و " لَمَا " مخففتين، وأنَّ أبا بكر عن عاصم خَفَّفَ " إنَّ " وثَقَّل " لمَّا " ، وأن ابن عامر وحمزة وحفصاً عن عاصم شددوا " إنَّ " و " لمَّا " معاً، وأن أبا عمرو والكسائي شدَّدا " إنَّ " وخَفَّفا " لَمَّا ". فهذه أربعُ مراتب للقراء في هذين الحرفين.

هذا في المتواتر، وأمَّا في الشاذ، فقد قرىء أربعُ قراءاتٍ أُخَر، إحداها: قراءةُ أُبَيّ والحسن وأبان بن تغلب " وإنْ كل " بتخفيفها، ورفع " كل " ، " لَمَّا " بالتشديد، الثانية: قراءة اليزيدي وسليمان بن أرقم: " لمَّاً " مشددة منونة، ولم يتعرَّضوا لتخفيف " إنَّ " ولا لتشديدها. الثالثة: قراءة الأعمش وهي في حرف ابن مسعود كذلك: " وإنْ كلٌّ إلا ": بتخفيفِ " إنْ " ورفع " كل ". الرابعة. قال أبو حاتم: " الذي في مُصْحف أبي { وإنْ مِنْ كلٍ إلا لَيُوَفِّيَنَّهم }.

هذا ما يتعلَّق بها من جهة التلاوة، أمَّا ما يتعلق بها من حيث التخريجُ فقد اضطرب الناسُ فيه اضطراباً كثيراً، حتى قال أبو شامة: " وأمَّا هذه الآيةُ فمعناها على القراءات من أشكلِ الآيات، وتسهيلُ ذلك بعون اللَّه أنْ أذكرَ كلَّ قراءةٍ على حِدَتِها وما قيل فيها.

فأمَّا / قراءةُ الحَرَمِيَّيْن ففيها إعمال إنْ المخففة، وهي لغة ثانية عن العرب. قال سبويه: " حَدَّثَنا مَنْ نثق به أنه سَمع مِن العرب مَنْ يقول: " إنْ عمراً لمنطلقٌ " كما قالوا:
2711 ـ.......................   كأن ثَدْيَيْهِ حُقَّانِ
قال: " ووجهُه مِن القياس أنَّ " إنْ " مُشْبِهَةٌ في نصبها بالفعل، والفعلُ يعمل محذوفاً كما يَعْمل غيرَ محذوف نحو: " لم يكُ زيد منطلقاً "فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ } [هود: 109] وكذلك لا أَدْرِ ". قلت: وهذا مذهبُ البصريين، أعني أنَّ هذه الأحرفَ إذا خُفِّف بعضُها جاز أن تعملَ وأن تُهْمَلَ كـ " إنْ " ، والأكثر الإِهمالُ، وقد أُجْمع عليه في قوله: { وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا [مُحْضَرُونَ] } ، وبعضُها يجب إعمالُه كـ " أنْ " بالفتح و " كأنْ " ، ولكنهما لا يَعْملان في مُظْهَرٍ ولا ضميرٍ بارزٍ إلا ضرورةً، وبعضُها يَجِبُ إهمالُه عند الجمهور كـ " لكن ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد