الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـٰؤُلاۤءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ }

قوله تعالى: { مِّمَّا يَعْبُدُ }: " ما " / في " ممَّا يعبد " وفي " كما يَعبْدُ " مصدريةٌ. ويجوز أن تكونَ الأولى اسميةً دونَ الثانية.

قوله: { لَمُوَفُّوهُمْ } قرأ العامة بالتشديد مِنْ وفَّاه مشدداً، وقرأ ابن محيصن " لَمُوْفُوْهم " بالتخفيف مِنْ أَوْفَى، كقوله:وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ } [البقرة: 40]، وقد تقدَّم في البقرة أنَّ فيه ثلاثَ لغات.

قوله: { غَيْرَ مَنقُوصٍ } حالٌ مِنْ " نصيبهم " ، وفي ذلك احتمالان، أحدهما: أن تكونَ حالاً مؤكدة، لأنَّ لفظ التوفية يُشْعر بعدم النقص، فقد استفيد معناها مِنْ عاملها وهو شأنُ المؤكدة. والثاني: أن تكونَ حالاً مُبَيِّنة. قال الزمخشري: " فإن قلت: كيف نُصِبَ " غيرَ منقوص " حالاً عن النصيب المُوَفَّى؟ قلت: يجوز أن يُوَفَّى وهو ناقصٌ ويوفَّى وهو كاملٌ، ألا تَراك تقول: " وَفَّيْتُه شطرَ حَقِّه، وثلثَ حقِّه، وحقَّه كاملاً وناقصاً " ، فظاهر هذه العبارة أنها مبيِّنة؛ إذ عاملُها محتملٌ لمعناها ولغيره. إلا أن الشيخ قال بعد كلامه هذا: " وهذه مَغْلَطَة، إذا قال: " وفَّيته شطرَ حَقِّه " فالتوفيهُ وَقَعَتْ في الشطر، وكذا في الثلث، والمعنىٰ: أعطيته الشطرَ والثلثَ كاملاً لم أنقصه شيئاً، وأمَّا قوله: " وحقَّه كاملاً وناقصاً " أمَّا كاملاً فصحيح، وهي حالٌ مؤكدة؛ لأن التوفيةَ تقتضي الإِكمالَ، وأمَّا " وناقصاً " فلا يقال لمنافاته التوفيه ". وفي مَنْع الشيخ أَنْ يُقال: " وَفَّيْتُه حقَّه ناقصاً " نظر، إذ هو شائعٌ في تركيبات الناسِ المعتبرِ قولهم؛ لأن المرادَ بالتوفية مطلقُ التَّأْدية ".