الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ }

وقوله تعالى: { خَالِدِينَ }: منصوبٌ على الحال المقدرة. قلت: ولا حاجةَ إلى قولِهم مقدرة، وإنما احتاجوا إلى التقدير في مثل قولهفَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ } [الزمر: 73]؛ لأنَّ الخلودَ بعد الدخول، بخلافِ هنا.

قوله: { مَا دَامَتِ } " ما " مصدرية وقتية، أي: مدة دوامهما. و " دام " هنا تامةٌ لأنها بمعنىٰ بَقِيت.

قوله: { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } فيه أقوال كثيرة منتشرة لخّصتها في أربعةَ عشرَ وجهاً، أحدها: ـ وهو الذي ذكره الزمخشريُّ فإنه قال: " فإنْ قلت: ما معنى الاستثناء في قوله: { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } وقد ثَبَتَ خلودُ أهلِ الجنة والنار في الأبد مِنْ غير استثناء؟ قلت: هو استثناء مِن الخلود في عذاب النار، ومن الخلود في نعيم أهل الجنة، وذلك أنَّ أهل النار لا يُخَلَّدون في عذابها وحدَه، بل يُعَذَّبون بالزمهرير، وبأنواعٍ أُخَرَ من العذاب، وبما هو أشدُّ من ذلك وهو سُخْط اللَّه عليهم، وكذا أهل الجنة لهم مع نعيم الجنة ما هو أكبرُ منه كقوله:وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } [التوبة: 72]، والدليل عليه قوله:عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [هود: 108]، وفي مقابله { إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } ، أي: يَفْعل بهم ما يريد من العذاب، كما يعطي أهل الجنة ما لا انقطاعَ له ". قال الشيخ: " ما ذكره في أهل النار قد يتمشىٰ لأنهم يَخْرُجون من النار إلى الزمهرير فيصحُّ الاستثناء، وأما أهل الجنة فلا يخرجون من الجنة فلا يصحُّ فيهم الاستثناء ". قلت: الظاهر أنه لا يصحُّ فيهما؛ لأنَّ أهلَ النار مع كونهم يُعَذَّبون بالزمهرير هم في النار أيضاً.

الثاني: أنه استثناءٌ من الزمان الدالِّ عليه قوله: " خالدين فيها ما دامَتِ السماواتُ والأرضُ " والمعنى: إلا الزمان الذي شاءه اللَّه فلا يُخَلَّدون فيها.

الثالث: أنه مِنْ قوله: " ففي النار " و " ففي الجنة " ، أي: إلا الزمان الذي شاءَه اللَّهُ فلا يكون في النار ولا في الجنة، ويمكن أن يكون هذا الزمانُ المستثنىٰ هو الزمان الذي يَفْصِل اللَّهُ فيه بين الخلق يومَ القيامة إذا كان الاستثناءُ مِن الكون في النار أو في الجنة، لأنه زمانٌ يخلو فيه الشقيُّ والسعيدُ مِنْ دخول النار والجنة، وأمَّا إن كان الاستثناءُ مِنْ الخلود يمكن ذلك بالنسبة إلى أهل النار، ويكون الزمانُ المستثنىٰ هو الزمان الذي فات أهلَ النارِ العصاةَ من المؤمنين الذي يَخْرجون من النار ويَدْخلون الجنة فليسوا خالدين في النار، إذ قد أخرجوا منها وصاروا إلى الجنة. وهذا المعنى مَرْوِيٌّ عن قتادة والضحاك وغيرهما، والذين شَقُوا على هذا شامل للكفار والعصاة، هذا في طرفِ الأشقياء العُصاة ممكنٌ، وأمَّا حقُّ الطرف الآخر فلا يتأتَّى هذا التأويلُ فيه؛ إذ ليس منهم مَنْ يدخلُ الجنةَ ثم لا يُخَلَّد فيها.

السابقالتالي
2