الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ }

قوله تعالى: { شَقُواْ }: الجمهورُ على فتح الشين لأنه مِنْ شَقِي فعلٌ قاصِر. وقرأ الحسن بضمها فاستعمله متعدياً، فيقال: شَقاه اللَّه، كما يقال أشقاه اللَّه.

وقرأ الأخوان وحفص " سُعِدُوا " بضم السين، والباقونَ بفتحها، الأُولى مِنْ قولهم " سَعَدَه اللَّه " ، أي: أسعده، حكى الفراء عن هُذَيل أنها تقول: سَعَده اللَّه بمعنى أَسْعد. وقال الجوهري: " سَعِد فهو سعيد كسَلِمَ فهو سليم، وسُعِد فهو مسعود ". وقال ابن القشيري: " وَرَدَ سَعَده اللَّه فهو مَسْعود، وأسعد فهو مُسْعَد ". وقيل: يُقال: سَعَده وأَسْعده فهو مَسْعود، استَغْنوا باسم مفعول الثلاثي. وحُكي عن الكسائي أنه قال: " هما لغتان بمعنىً " ، يعني فَعَل وأَفْعل، وقال أبو عمرو بن العلاء: " يُقال: سُعِد الرجل كما يُقال جُنَّ ". وقيل: سَعِده لغة.

وقد ضَعَّف جماعةٌ قراءةَ الأخَوين، قال المهدوي: مَنْ قرأ " سُعِدوا " فهو محمولٌ على مَسْعود، وهو شاذ قليل، لأنه لا يُقال: سَعَده اللَّه، إنما يقال: أسعده اللَّه. وقال بعضُهم: احتجَّ الكسائي بقولهم: " مسعود ". قيل: ولا حُجَّةَ فيه، لأنه يُقال: مكان مسعود فيه ثم حُذِف " فيه " وسُمِّي به. وكان عليّ بن سليمان يتعجَّب مِنْ قراءة الكسائي:/ " سُعِدوا " مع علمه بالعربية، والعجبُ مِنْ تعجُّبه. وقال مكي: " قراءةُ حمزةَ والكسائي " سُعِدوا " بضم السين حملاً على قولهم: " مسعود " وهي لغةٌ قليلة شاذة، وقولهم: " مَسْعود " إنما جاء على حذف الزوائد كأنه مِنْ أسعده اللَّه، ولا يُقال: سَعَدَه اللَّه، وهو مثل قولهم: أجنَّه اللَّه فهو مجنون، أتىٰ على جَنَّه اللَّه، وإنْ كان لا يُقال ذلك، كما لا يقال: سَعَده اللَّه ".

وضَمُّ السين بعيدٌ عند أكثر النحويين إلا على حذف الزوائد. وقال أبو البقاء: " وهذا غيرُ معروفٍ في اللغة ولا هو مقيسٌ ".

وقوله: { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ }: هذه الجملةُ فيها احتمالان، أحدهما: أنها مستأنفة، كأن سائلاً سأل حين أَخْبَرَ أنهم في النار: ماذا يكون لهم؟ فقيل: لهم كذا. الثاني: أنها منصوبةٌ المحلِّ، وفي صاحبها وجهان، أحدهما: أنه الضمير في الجارِّ والمجرور وهي " ففي النار ". والثاني: أنها حالٌ من " النار ".

والزَّفير: أولُ صوت الحمار، والشَّهيق: آخره، قال رؤبة:
2709 ـ حَشْرَجَ في الصدر صَهِيْلاً وشَهَقْ   حتى يُقالَ ناهِقٌ وما نَهَقْ
وقال ابن فارس: " الشَّهيق ضد الزفير؛ لأنَّ الشهيق ردُّ النفسَ، والزَّفير: إخراج النفَس مِنْ شدة الحزن مأخوذ من الزِّفْرِ وهو الحِمْل على الظهر، لشدته. وقال الزمخشري نحوه، وأنشد للشماخ:
2710 ـ بعيدٌ مَدَىٰ التَّطْريْبِ أولُ صوتِه   زفير ويَتْلوه شهيق مُحَشْرِج
وقيل: الشَّهيق: النَّفَس الممتدُّ، مأخوذ مِنْ قولهم " جبل شاهق أي عالٍ. وقال الليث: " الزَّفير: أن يملأَ الرجلُ صدرَه حالَ كونه في الغمِّ الشديد من النفسَ ويُخْرِجُه، والشهيق أن يُخْرِجَ ذلك النفسَ، وهو قريبٌ مِنْ قولهم: " تنفَّس الصعداء ". وقال أبو العالية والربيع بن أنس: " الزفير في الحَلْق والشَّهيقُ في الصدر ". وقيل: الزفير للحمار والشهيق للبَغْل.