الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ }

قوله: { إِذَا بُعْثِرَ }: في العاملِ فيها أوجهٌ أحدُها: " بُعْثِرَ " نقله مكي عن المبرد وتقدَّم تحريرُ هذا قريباً في السورةِ قبلَها. والثاني: أنه ما دَلَّ عليه خبرُ " إنَّ " أي: إذا بُعْثر جُوزوا. والثالث: أنه " يَعْلَمُ " ، وإليه ذهب الحوفيُّ وأبو البقاء. ورَدَّه مكيُّ قال: " لأنَّ الإِنسانَ لا يُرادُ منه العِلْمُ والاعتبارُ ذلك الوقتَ، وإنما يَعْتَبِرُ في الدنيا ويعلَمُ " وقال الشيخ: " وليس بمتَّضِحٍ لأنَّ المعنى: أفلا يعلَمُ الآن.

وكان قد قال قبل ذلك: " ومفعولُ يَعْلَمُ محذوفٌ وهو العاملُ في الظرفِ، أي: أفلا يعلم مآلَه إذا بُعْثِرَ " انتهى. فجَعَلَها متعديةً في ظاهرِ قولِه إلى واحدٍ، وعلى هذا فقد يُقال: إنها عاملةٌ في " إذا " على سبيلِ أنَّ " إذا " مفعولٌ به لا ظرفٌ إذ التقديرُ: أفلا يَعْرِفُ وقتَ بَعْثَرَةِ القبورِ. يعني أَنْ يُقِرَّ بالبعثِ ووقتِه، و " إذا " قد تصر‍َّفَتْ وخَرَجَتْ عن الظرفيةِ، ولذلك شواهدُ تقدَّم ذِكْرُها في غضونِ هذا التصنيفِ. الرابع: أنَّ العاملَ فيها محذوفٌ، وهو مفعولٌ " يَعْلَمُ " كما تقدَّم تقريرُه، أي: يعلمُ مآلَه إذا بُعْثِرَ. ولا يجوزُ أن يعملَ فيه " لَخبيرٌ " لأنَّ ما في حَيِّز " إنَّ " لا يتقدَّمُ عليها.

وقرأ العامَّةُ " بُعْثِرَ " بالعين مبنياً للمفعولِ. والموصولُ قائمٌ مقامَ الفاعلِ. وابن مسعودٍ بالحاء. وقرأ الأسود بن يزيد ومحمد بن معدان " بُحِثَ " من البحث. ونصر بن عاصم " بَعْثَرَ " مبنياً للفاعل وهواللَّهُ تعالى أو المَلَكُ. والعامَّةُ " حُصِّل " مبنياً للمفعولِ كالذي قبلَه. ويحيى بن يعمر ونصرُ بن عاصم وابن معدان " حَصَّلَ " مبنياً للفاعلِ. ورُوِي عن ابن يعمرَ ونصرٍ أيضاً " حَصَلَ " خفيفةَ الصادِ مبنياً للفاعل بمعنى: جَمَعَ ما في الصحفِ تَحَصُّلاً، والتحصيلُ: جَمْعُ الشيء، والحُصولُ اجتماعُه. وقيل: التحصيلُ التمييزُ. ومنه قيل للمُنْخُل: مُحَصِّل. وحَصَل الشيءُ مخفَّفاً: ظَهَر واستبانَ، وعليه القراءةُ الأخيرةُ.