الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }

قوله تعالى: { الآنَ }: منصوبٌ بمحذوفٍ أي: آمنْتَ الآن، أو/ أتؤمن الآن. وقوله: " وقد عَصَيْتَ " جملةٌ حالية، وقد تقدَّم نظيرُ ذلك قريباً.

قوله: { بِبَدَنِكَ } فيه وجهان، أحدُهما: أنها باءُ المصاحبةِ بمعنى مصاحباً لبدنك وهي الدِّرْع، وفي التفسير: لم يُصَدِّقوا بغرقه، وكانت له دِرْعُ تُعْرَفُ فأُلقي بنَجْوة من الأرض وعليه دِرْعُه ليعرفوه، والعربُ تطلِقُ البدنَ على الدرع، قال عمرو بن معد يكرب:
2628 ـ أعاذِلُ شِكَّتي بدني وسيفي   وكلّ مُقَلَّصٍ سَلِس القِيادِ
وقال آخر:
2629 ـ ترىٰ الأبْدانَ فيها مُسْبَغَاتٍ   على الأبطالِ واليَلَبَ الحصينا
وقيل: ببدنك أي عُرْيانَ لا شيءَ عليه، وقيل: بدناً بلا روح.

والثاني: أن تكونَ سببيةً على سبيل المجاز؛ لأنَّ بدنه سبب في تنجيته، وذلك على قراءةِ ابن مسعود وابن السَّمَيْفَع " بندائك " من النداء وهو الدعاءِ أي: بما نادَىٰ به في قومه من كفرانه في قولِهوَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ } [الزخرف: 51]فَحَشَرَ فَنَادَىٰ فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [النازعات: 23-24]يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } [القصص: 38].

وقرأ يعقوب " نُنْجِيْك " مخففاً مِنْ أنجاه. وقرأ أبو حنيفة " بأبدانك " جمعاً: إمَّا على إرادة الأدْراع لأنه كان يلبس كثيراً منها خوفاً على نفسِه، أو جعل كلَّ جزء مِنْ بدنه بدناً كقوله: " شابت مَفارِقُه " قال:
2630 ـ.........................   شابَ المَفارِقُ واكتَسَيْنَ قَتِيرا
وقرأ ابن مسعود وابن السَّمَيْفَع ويزيد البربري " نُنَحِّيْكَ " بالحاء المهملةِ من التَّنْحِيَة أي: نُلْقيك بناحيةٍ فيما يلي البحر، وفي التفسير: أنَّه رماه إلى ساحل البحر كالثور. وهل ننجِّيك من النجاة بمعنى نُبْعدك ممَّا وقع فيه قومُك مِنْ قعر البحر وهو تهكُّم بهم، أو مِنْ ألقاه على نَجْوة أي: رَبْوة مرتفعة، أو مِن النجاة وهو التَّرْكُ أو من النجاء وهو العلامة، وكلُّ هذه معانٍ لائقة بالقصة. والظاهر أن قوله: " فاليوم نُنَجِّيك " خبرٌ محض. وزعم بعضهم أنه على نية همزةِ الاستفهام وفيه بُعْدٌ لحَذْفِها من غيرِ دليل، ولأنَّ التعليلَ بقوله " لتكونَ " لا يناسب الاستفهام.

و " لتكون " متعلِّقٌ بـ " نُنَجِّيك " و " آية " أي: علامة، و " لمَنْ خلفك " في محلِّ نصبٍ على الحال مِنْ " آية " لأنه في الأصلِ صفةٌ لها.