الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ }

قوله تعالى: { لِيُضِلُّواْ }: في هذه اللامِ ثلاثةُ أوجه، أحدها: أنها لامُ العلة، والمعنىٰ: أنك أتيتَهم ما أتيتهم على سبيل الاستدراج فكان الإِيتاءُ لهذه العلة. والثاني: أنها لام الصيرورة والعاقبة كقوله:فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [القصص: 8]. وقولِه:
2622 ـ لِدُوا للموت وابنُوا للخراب   .................
وقولِه:
2623 ـ فللموتِ تَغْذو الوالداتُ سِخالَها   كما لخرابِ الدُّوْرِ تُبْنَى المساكنُ
وقوله:
2624 ـ وللمنايا تُرَبِّى كلُّ مُرْضِعَةٍ   وللخرابِ يَجِدُّ الناسُ عِمْرانا
والثالث: أنها للدعاء عليهم بذلك، كأنه قال: ليثبتوا على ما هم عليه من الضلال وليكونوا ضُلاَّلاً، وإليه ذهب الحسن البصري وبدأ به الزمخشري. وقد استُبْعِد هذا التأويلُ بقراءة الكوفيين " ليُضِلُّوا " بضم الياء فإنه يَبْعُد أن يَدْعُوَ عليهم بأن يُضِلُّوا غيرهم، وقرأ الباقون بفتحها، وقرأ الشعبي بكسرها، فوالى بين ثلاث كسَرات إحداها في ياء. وقرأ [أبو] الفضل الرياشي " أإنك أَتَيْتَ " على الاستفهام. وقال الجبائي: إنَّ " لا " مقدرةٌ بين اللام والفعل تقديره: لئلا يَضِلوا " ، ورأيُ البصريين في مثل هذا تقديرُ " كراهةَ " أي: كراهة أن يَضِلُّوا.

قوله: { فَلاَ يُؤْمِنُواْ } يحتمل النصبَ والجزم، فالنصب من وجهين، أحدُهما: عطفُه على " ليضلُّوا ". والثاني: نصبه على جواب الدعاء في قوله " اطمِسْ ". والجزم على أنَّ " لا " للدعاء كقولك: " لا تعذِّبْني يا رب " وهو قريبٌ من معنىٰ " ليُضلوا " في كونِه دعاءً، هذا في جانب شبه النهي، وذلك في جانب شبه الأمر، و " حتى يَرَوا " غايةٌ لنفي إيمانهم، والأول قول الأخفش، والثاني بدأ به الزمخشري، والثالث قول الكسائي والفراء، وأنشد قولَ الشاعر:
2625 ـ فلا يَنْبَسِطْ من بين عينِك ما انْزَوَىٰ   ولا تَلْقَني إلا وأنفُكَ راغِمُ
وعلى القول بأنه معطوفٌ على " ليَضِلُّوا " يكون ما بينهما اعتراضاً.