الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا }: اللامُ متعلقةٌ بالمجيء أي: أجئت لهذا الغرض، أنكروا عليه مجيئَه لهذه العلة. واللَّفْتُ: الَّليُّ والصَرْفُ، لَفَتَه عن كذا أي: صَرَفَه ولواه عنه. وقال الأزهري: " لَفَتَ الشيءَ وفَتَلَه: لواه، وهذا من المقلوب " قلت: ولا يُدَّعَىٰ فيه قَلْبٌ حتى يَرْجَعَ أحدُ اللفظين في الاستعمال على الآخر، ولذلك لم يَجْعلوا جَذَبَ وجَبَذَ وحَمِدَ ومَدَح من هذا القبيل لتساويهما. ومطاوعُ لَفَتَ: التَفَتَ. وقيل: انفتل، وكأنهم استَغْنَوا بمطاوع " فَتَل " عن مطاوع لَفَتَ، وامرأة لَفُوت: أي: تَلْتَفِتُ لولدها عن زوجها إذا كان الولد لغيره، واللَّفِيْتَةُ: ما يَغْلُظُ من العَصِيدة.

قوله: { وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ } الكِبْرياء: اسم كان، و " لكم " الخبر، و " في الأرض ": جَوَّز فيها أبو البقاء خمسةَ أوجه أحدها: أن تكونَ متعلقةً بنفس الكبرياء. الثاني: أن يُعَلَّق بنفس " تكون ". الثالث: أن يتعلَّقَ بالاستقرار في " لكم " لوقوعه خبراً. الرابع: أن يكونَ حالاً من " الكبرياء ". الخامس: أن يكون حالاً من الضمير في " لكما " لتحمُّلِه إياه.

والكِبْرياء مصدرٌ على وزنِ فِعْلِياء، ومعناها العظمة. قال عديّ ابن الرِّقاع:
2617 ـ سُؤْدُدٌ غيرُ فاحِشٍ لا يُدا   نِيه تَجْبارَةٌ ولا كِبْرِيا
وقال ابن الرقيات:
2618 ـ مُلْكُه مُلْكُ رأفةٍ ليس فيه   جَبَروتٌ منهُ ولا كِبْرِياءُ
يعني: ليس هو ما عليه الملوكُ من التجبُّر والتعظيم.

والجمهورُ على " تكون " بالتأنيث مراعاةً لتأنيث اللفظ. وقرأ ابن مسعود والحسن وإسماعيل وأبو عمرو وعاصم في روايةٍ: " ويكون " بالياء من تحتُ، لأنه تأنيثٌ مجازي.