الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ }

قوله تعالى: { إِذْ قَالَ }: يجوز أن تكونَ " إذ " معمولةً لـ " نَبأ " ، ويجوز أن تكونَ بدلاً مِنْ " نبأ " بدلَ اشتمال. وجوَّز أبو البقاء أن تكونَ حالاً من " نبأ " وليس بظاهرٍ، ولا يجوزُ أن يكونَ منصوباً بـ " اتلُ " لفساده، إذ " اتلُ " مستقبلٌ، و " إذا " ماض، و " لقومه " اللام: إمَّا للتبليغ وهو الظاهرُ، وإمَّا للعلة وليس بظاهرٍ.

وقوله: { كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي } من باب الإِسناد المجازي كقولهم: " ثَقُل عليَّ ظلُّه ".

وقرأ أبو رجاء وأبو مجلز وأبو الجوزاء " مُقامي " بضم الميم، و " المقام " بالفتح مكان القيام، وبالضم مكان الإِقامة أو الإِقامة نفسها. وقال ابن عطية: " ولم يُقرأ هنا بضم الميم " كأنه لم يَطَّلع على قراءةِ هؤلاء الآباء.

قوله: { فَعَلَى ٱللَّهِ } جواب الشرط.

وقوله: { فَأَجْمِعُوۤاْ } عطف على الجواب، ولم يذكر أبو البقاء غيرَه. واستُشْكِل عليه أنه متوكلٌ على الله دائماً كَبُر عليهم مقامُه أو لم يكبر. وقيل: جوابُ الشرط قوله " فأجمعوا " وقوله { فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ } جملةٌ اعتراضية بين الشرط وجوابه، وهو كقول الشاعر:
2606 ـ إمَّا تَرَيْني قد نَحَلْتُ ومَنْ يكنْ   غَرَضاً لأطراف الأَسِنَّة يَنْحَلِ
فلرُبَّ أبْلَجَ مثلِ ثِقْلِكِ بادِنٍ   ضخمٍ على ظهر الجَوادِ مُهَبَّلِ
وقيل: الجوابُ محذوف، أي: فافعلوا ما شئتم.

وقرأ العامة: " فَأَجْمعوا " أمراً مِنْ " أَجْمع " بهمزة القطع يقال: أَجْمع في المعاني، وجَمَع في الأعيان، فيقال: أجمعت أمري وجمعت الجيش، هذا هو الأكثر. قال الحارث بن حلزة:
2607 ـ أَجْمَعُوا أمرهم بليلٍ فلمَّا   أصبحوا أصبحت لهم ضَوْضَاءُ
وقال آخر:
2608 ـ يا ليت شعري والمُنَى لا تَنْفَعُ   هل أَغْدُوَنْ يوماً وأَمْري مُجْمَعُ
وهل أَجْمَعَ متعدٍّ بنفسه أو بحرف جر ثم حُذِف اتِّساعاً؟ فقال أبو البقاء: " مِنْ قولك " أجمعتُ على الأمر: إذا عَزَمْتَ عليه، إلا أنه حُذِفَ حرفُ الجر فوصل الفعل إليه. وقيل: هو متعدٍّ بنفسه في الأصل " وأنشد قولَ الحارث. وقال أبو فيد السدوسي: " أَجْمعت الأمر " أفصحُ مِنْ أَجْمعت عليه " وقال أبو الهثيم: " أجمعَ أمرَه جَعَله مجموعاً بعدما كان متفرقاً " قال: " وَتفْرِقَتُه أن يقولُ مرةً افعل كذا، ومرة افعل كذا، وإذا عَزَم على أمرٍ واحد فقد جَمَعه أي: جعله جميعاً، فهذا هو الأصلُ في الإِجماع، ثم صار بمعنى العَزْم حتى وصل بـ " على " فقيل: أَجْمَعْتُ على الأمر أي: عَزَمْتُ عليه، والأصل: أجمعت الأمر.

وقرأ العامَّةُ: " وشركاءَكم " نصباً وفيه أوجه، أحدها: أنه معطوفٌ على " أَمْرَكم " بتقدير حذف مضاف، أي: وأمر شركاءكم كقوله:

السابقالتالي
2 3