الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }

قوله تعالى: { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ }: " ما " نافية في الموضعين، ولذلك عَطَفَ بإعادة " لا " النافية، وأَوْجب بـ " إلا " بعد الأفعال لكونها منفيةً. و " في شأن " خبر " تكون " والضميرُ في " منه " عائدٌ على " شأن " و " مِنْ قرآن " تفسير للضمير، وخُصَّ من العمومِ، لأنَّ القرآنَ هو أعظمُ شؤونه صلى الله عليه وسلم. وقيل: يعودُ على التنزيل، وفُسِّر بالقرآن لأنَّ كلَّ جزء منه قرآن، وإنما أَضْمَرَ قبل الذكرِ تعظيماً له. وقيل: يعود على الله، أي: وما تتلو مِنْ عند الله من قرآنٍ. وقال أبو البقاء: " من الشأن " ، أي: مِنْ أجله، و " من قرآن " مفعول " تتلو " و " مِنْ " زائدةٌ ". يعني أنها زِيْدت في المفعول به، و " من " الأولى جارةٌ للمفعولِ مِنْ أجله، تقديره: وما تتْلو من أجل الشأن قرآناً، وزِيْدَت لأنَّ الكلامَ غيرُ موجَبٍ والمجرور نكرةٌ. وقال مكي: " منه " الهاء عند الفراء تعود على الشأن على تقديرِ حَذْفِ مضافٍِ تقديرُه: وما تتلو من أجل الشأن، أي: يحدث لك شأنٌ فتتلو القرآنَ من أجله ".

والشَّأْنُ مصدرُ شَأنَ يَشْأَنُ شَأَنَه، أي: قَصَد يَقْصِدُ قَصْدَه، وأصلُه الهمز، ويجوز تخفيفه. والشأن أيضاً الأمرُ، ويُجْمع على شُؤُون.

وقوله: { إِلاَّ كُنَّا } هذه الجملةُ حاليةٌ وهو استثناء مفرغ، وولي " إلا " هنا الفعلُ الماضي دون قد لأنه قد تقدَّمها فعلٌ وهو مُجَوِّز لذلك.

وقوله: " إذ " هذا الظرفُ معمولٌ لـ " شُهودا " ولمَّا كانت الأفعالُ السابقةُ المرادُ بها الحالةُ الدائمةُ وتنسحب على الأفعالِ الماضيةِ كان الظرفُ ماضياً، وكان المعنىٰ: وما كنت، وما تكون، ولا عَمِلْتم، إلا كنا عليكم شهوداً، إلا أفضتم فيه. و " إذ " تُخَلِّصُ المضارعَ لمعنى الماضي.

قوله: { وَمَا يَعْزُبُ } قرأ الكسائي هنا وفي سبأ " يَعْزِب " بكسرِ العين، والباقون بضمها، وهما لغتان في مضارع عَزَبَ، يقال: عَزَب يَعْزِب العين، ويَعْزُب، أي: غابَ حتى خفي، ومنه الروضُ العازِبُ. قال أبو تمام:
2604 ـ وقَلْقَلَ نَأْيٌ مِنْ خراسانَ جَأْشَها   فقلتُ اطمئنِّي أَنْضَرُ الروضِ عزِبُه
وقيل للغائب عن أهله: عازِب، حتى قالوا لمن لا زوجَ له: عازب. وقال الراغب: " العازِبُ: المتباعِدُ في طلب الكلأ. ويقال: رجل عَزَبٌ وامرأة عَزَبة، وعَزَب عنه حِلْمُه، أي: غاب، وقوم مُعَزَّبون، أي: عَزَبَتْ عنهم إبلُهم، وفي الحديث: " من قرأ القرآن في أربعين يوماً فقد عَزَب " ، أي: فقد بَعُد عهدُه بالخَتْمة. وقال قريباً منه الهروي فإنه قال:/ " أي: بَعُدَ عهدُه بما ابتدأ منه وأبطأ في تلاوتِه " ، وفي حديث أم مَعْبد: " والشاءُ عازِبٌ حِيال " ، قال: " والعازِب: البعيدُ الذهابِ في المَرْعَى.

السابقالتالي
2 3