قوله تعالى: { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ }: " ما " نافية في الموضعين، ولذلك عَطَفَ بإعادة " لا " النافية، وأَوْجب بـ " إلا " بعد الأفعال لكونها منفيةً. و " في شأن " خبر " تكون " والضميرُ في " منه " عائدٌ على " شأن " و " مِنْ قرآن " تفسير للضمير، وخُصَّ من العمومِ، لأنَّ القرآنَ هو أعظمُ شؤونه صلى الله عليه وسلم. وقيل: يعودُ على التنزيل، وفُسِّر بالقرآن لأنَّ كلَّ جزء منه قرآن، وإنما أَضْمَرَ قبل الذكرِ تعظيماً له. وقيل: يعود على الله، أي: وما تتلو مِنْ عند الله من قرآنٍ. وقال أبو البقاء: " من الشأن " ، أي: مِنْ أجله، و " من قرآن " مفعول " تتلو " و " مِنْ " زائدةٌ ". يعني أنها زِيْدت في المفعول به، و " من " الأولى جارةٌ للمفعولِ مِنْ أجله، تقديره: وما تتْلو من أجل الشأن قرآناً، وزِيْدَت لأنَّ الكلامَ غيرُ موجَبٍ والمجرور نكرةٌ. وقال مكي: " منه " الهاء عند الفراء تعود على الشأن على تقديرِ حَذْفِ مضافٍِ تقديرُه: وما تتلو من أجل الشأن، أي: يحدث لك شأنٌ فتتلو القرآنَ من أجله ". والشَّأْنُ مصدرُ شَأنَ يَشْأَنُ شَأَنَه، أي: قَصَد يَقْصِدُ قَصْدَه، وأصلُه الهمز، ويجوز تخفيفه. والشأن أيضاً الأمرُ، ويُجْمع على شُؤُون. وقوله: { إِلاَّ كُنَّا } هذه الجملةُ حاليةٌ وهو استثناء مفرغ، وولي " إلا " هنا الفعلُ الماضي دون قد لأنه قد تقدَّمها فعلٌ وهو مُجَوِّز لذلك. وقوله: " إذ " هذا الظرفُ معمولٌ لـ " شُهودا " ولمَّا كانت الأفعالُ السابقةُ المرادُ بها الحالةُ الدائمةُ وتنسحب على الأفعالِ الماضيةِ كان الظرفُ ماضياً، وكان المعنىٰ: وما كنت، وما تكون، ولا عَمِلْتم، إلا كنا عليكم شهوداً، إلا أفضتم فيه. و " إذ " تُخَلِّصُ المضارعَ لمعنى الماضي. قوله: { وَمَا يَعْزُبُ } قرأ الكسائي هنا وفي سبأ " يَعْزِب " بكسرِ العين، والباقون بضمها، وهما لغتان في مضارع عَزَبَ، يقال: عَزَب يَعْزِب العين، ويَعْزُب، أي: غابَ حتى خفي، ومنه الروضُ العازِبُ. قال أبو تمام:
2604 ـ وقَلْقَلَ نَأْيٌ مِنْ خراسانَ جَأْشَها
فقلتُ اطمئنِّي أَنْضَرُ الروضِ عزِبُه
وقيل للغائب عن أهله: عازِب، حتى قالوا لمن لا زوجَ له: عازب. وقال الراغب: " العازِبُ: المتباعِدُ في طلب الكلأ. ويقال: رجل عَزَبٌ وامرأة عَزَبة، وعَزَب عنه حِلْمُه، أي: غاب، وقوم مُعَزَّبون، أي: عَزَبَتْ عنهم إبلُهم، وفي الحديث: " من قرأ القرآن في أربعين يوماً فقد عَزَب " ، أي: فقد بَعُد عهدُه بالخَتْمة. وقال قريباً منه الهروي فإنه قال:/ " أي: بَعُدَ عهدُه بما ابتدأ منه وأبطأ في تلاوتِه " ، وفي حديث أم مَعْبد: " والشاءُ عازِبٌ حِيال " ، قال: " والعازِب: البعيدُ الذهابِ في المَرْعَى.