الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ }

قوله تعالى: { أَرَأَيْتُمْ }: هذه بمعنى أخبروني. وقوله " ما أنزل " يجوزُ أن تكونَ " ما " موصولةً بمعنى الذي، والعائدُ محذوفُ أي: ما أنزله، وهي في محل نصبٍ مفعولاً أول، والثاني هو الجملةُ من قوله: { ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ } والعائدُ من هذه الجملةِ على المفعولِ الأول محذوفٌ تقديرُه: اللَّهُ أَذِن لكم فيه. واعتُرِضَ على هذه بأنَّ قولَه " قُلْ " يمنع من وقوع الجملةِ بعده مفعولاً ثانياً. وأُجيب عنه بأنه كُرِّر توكيداً. ويجوز أن تكونَ " ما " استفهامية منصوبةً المحلِّ بـ " أَنْزَلَ " وهي حينئذ مُعَلِّقَةٌ لـ " أَرَأَيْتم " ، وإلى هذا ذهب الحوفي والزمخشري. ويجوز أن تكونَ " ما " الاستفهاميةُ في محلِّ رفعٍ بالابتداء، والجملةُ من قوله: { ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ } خبره، والعائدُ محذوفٌ كما تقدَّم أي: أَذِن لكم فيه، وهذه الجملةُ الاستفهاميةُ معلِّقَةٌ لـ " أَرَأَيتم " ، والظاهرُ من هذه الوجهِ هو الوجهُ الأولُ، لأنَّ فيه إبقاءَ " أرأيت " على بابها مِنْ تَعَدِّيها إلى اثنين، وأنها مؤثرةٌ في أولِهما بخلافِ جَعْلِ " ما " استفهاميةً فإنها معلقةٌ لـ " أرأيت " وسادَّةٌ مَسَدَّ المفعولين.

وقوله: { مِّن رِّزْقٍ } يجوزُ أن يكونَ حالاً من الموصول، وأن تكونَ " مِنْ " لبيان الجنس و " أنزل " على بابها وهو على حَذْف مضاف أي: أنزله من سببِ رزقٍ وهو المطر. وقيل: تُجُوِّز بالإِنزال عن الخلقِ كقولِهوَأَنزْلْنَا ٱلْحَدِيدَ } [الحديد: 25]وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ } [الزمر: 6].

قوله: { أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ } في " أم " هذه وجهان أحدهما: أنها متصلةٌ عاطفةٌ/ تقديرُه: أخبروني: آللَّهُ أَذِنَ لكم في التحليلِ والتحريم، فإنهم يفعلون ذلك بإذنه أم يَكْذِبون على الله في نسبة ذلك إليه. والثاني: أن تكونَ منقطعةً. قال الزمخشري: " ويجوز أن تكونَ الهمزةُ للإِنكار و " أم " منقطعةٌ بمعنى: بل أَتَفْترون على الله، تقريراً للافتراء ". والظاهر هو الأول إذ المعادلةُ بين هاتين الجملتين اللتين بمعنى المفردين واضحةٌ، إذ التقدير: أيُّ الأمرينِ وَقَعَ: إذْنُ اللَّهِ لكم في ذلك أم افتراؤكم عليه؟