الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }

قوله تعالى: { بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ }: في تعلُّق هذا الجارِّ أوجهٌ، أحدُها: أنَّ " بفضل " و " برحمته " متعلقٌ بمحذوفٍ تقديرُه: بفضل الله وبرحمته ليَفْرحوا بذلك فَلْيفرحوا، فحذفَ الفعلَ الأولَ لدلالة الثاني عليه، فهما جملتان، ويدلُّ على ذلك قولُ الزمخشري: " أصلُ الكلام: بفضل الله وبرحمته فَلْيفرحوا فبذلك والتكرير للتأكيد والتقريرِ وإيجابِ اختصاص الفضل والرحمة بالفرح دونَ ما عَداهما من فوائدِ الدنيا، فحُذِفَ أحدُ الفعَلْين لدلالةِ المذكورِ عليه، والفاء داخلةٌ لمعنى الشرط كأنه قيل: إنْ فَرِحوا بشيءٍ فَلْيَخُصُّوهما بالفرح فإنه لا مفروحَ به أحقُّ منهما.

الثاني: أن الجارَّ الأولَ متعلقٌ أيضاً بمحذوفٍ دلَّ عليه السياقُ والمعنىٰ، لا نفس الفعلِ الملفوظِ به والتقديرُ: بفضل الله وبرحمتِه فَلْيَعْتَنوا فبذلك فليفرحوا قاله الزمخشري.

الثالث: أن يتعلق الجارُّ الأول بـ " جاءتكم " قال الزمخشري: " ويجوز أن يُراد " قد جاءَتْكم موعظةٌ بفضلِ الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا، أي فبمجيئِها فَلْيفرحوا ". قال الشيخ: " أما إضمار " فليعتنوا " فلا دليلَ عليه " قلت: الدلالةُ عليه من السياق واضحةٌ، وليس شرطُ الدلالةِ أن تكونَ لفظية.

وقال الشيخ: " وأمَّا تعلُّقه بقوله: " قد جاءتكم " فينبغي أن يقدَّرَ محذوفاً بعد " قل " ، ولا يكونُ متعلِّقاً بـ " جاءتكم " الأولى للفصل بينهما بـ " قل ". قلت: هذا إيرادٌ واضحٌ، ويجوزُ أن تكونَ " بفضل الله " صفةً لـ " موعظة " أي: موعظةٌ مصاحبةٌ أو ملتبسَةٌ بفضل الله.

الرابع: قال الحوفي: " الباءُ متعلقةٌ بما دَلَّ عليه المعنى أي: قد جاءتكم الموعظةُ بفضل الله ".

الخامس: أنَّ الفاءَ الأولى زائدةٌ، وأن قولَه " بذلك " بدلٌ مِمَّا قبله وهو { بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ } وأُشير بذلك إلى اثنين وهما الفضلُ والرحمةُ كقوله:/لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ } [البقرة: 68]، وكقوله:
2601 ـ إنَّ للخيرِ وللشرِ مَدَى   وكِلا ذلك وَجْهٌ وقَبَلْ
وفي هاتين الفاءَيْن أوجهٌ، أحدُهما: أنَّ الأولى زائدةٌ، وقد تقدَّم تحريرُه في الوجه الخامس. الثاني: أن الفاءَ الثانية مكررةٌ للتوكيد، فعلى هذا لا تكونُ الأولىٰ زائدةً، ويكونُ أصلُ التركيبِ: فبذلك ليفرحوا، وعلى القولِ الأول قبله يكون أصلُ التركيب: بذلك فَلْيفرحوا. الثالث: قال أبو البقاء: " الفاءُ الأولى مرتبطةٌ بما قبلها، والثانيةُ بفعلٍ محذوفٍ تقديرُه: فليَعْجبوا بذلك فَلْيفرحوا كقولهم: " زيداً فاضربه أي: تَعمَّدْ زيداً فاضْرِبه ".

والجمهورُ على " فَلْيفرحوا " بياء الغيبة. وقرأ عثمان بن عفان وأبيّ وأنس والحسن وأبو رَجاء وابن هرمز وابن سيرين بتاء الخطاب، وهي قراءةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الزمخشري: " وهو الأصلُ والقياسُ ".

السابقالتالي
2