الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي ٱلأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

قوله تعالى: { لاَفْتَدَتْ بِهِ }: " افتدىٰ " يجوز أن يكون متعدياً وأن يكونَ قاصراً، فإذا كان مطاوعاً لـ " فَدَى " كان قاصراً تقول: فَدَيْتُه فافتدىٰ، ويكونُ بمعنى فَدَى فيتعدى لواحد. والفعلُ هنا يحتملُ الوجهين: فإنْ جعلناه متعدياً فمفعولُه محذوفٌ تقديرُه: لافتدَتْ به نفسَها، وهو في المجاز كقولِه:كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا } [النحل: 111].

وقوله: { وَأَسَرُّواْ } / قيل: " أسرَّ " مِنَ الأضداد، يُسْتعمل بمعنى أظهر، كقوله الفرزدق:
2599 ـ ولمَّا رأىٰ الحجَّاجَ جرَّد سيفَه   أسَرَّ الحَرُوريُّ الذي كانوا أضمرا
وقول الآخر:
2600 ـ فأسرَرْتُ الندامةَ يوم نادىٰ   بِرَدِّ جِمالِ غاضِرةَ المُنادي
ويُسْتعمل بمعنىٰ: " أخفىٰ " وهو المشهورُ في اللغةِ كقوله:يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } [النحل: 19] وهو في الآيةِ يحتمل الوجهين. وقيل: إنه ماض على بابه قد وقع. وقيل: بل هو بمعنى المستقبل. وقد أبعدَ بعضُهم فقال: " أسرُّوا الندامةَ " أي: بَدَتْ بالندامة أسِرَّةُ وجوهِهم أي: تكاسيرُ جباهِهم.

و { لَمَّا رَأَوُاْ } يجوز أن تكونَ حرفاً، وجوابُها محذوف لدلالة ما تقدَّم عليه، وهو المتقدمُ عند مَنْ يَرى تقديمَ جواب الشرط جائزاً. ويجوز أن تكونَ بمعنى حين والناصبُ لها " أسَرُّوا ". وقوله: " ظلَمْت " في محل جرِّ صفةٍ لـ " نفس " أي: لكل نفس ظالمة. و { مَّا فِي ٱلأَرْضِ } اسمُ أن، و " لكلٍ " هو الخبر.

وقوله: { وَقُضِيَ } يجوزُ أن يكونَ مستأنفاً، وهوالظاهر، ويجوز أن يكونَ معطوفاً على " رأوا " فيكونَ داخلاً في حَيِّز " لَمَّا " والضميرُ في " بينهم " يعودُ على " كل نفس " في المعنىٰ. وقال الزمخشري: " بين الظالمين والمظلومين، دلَّ على ذلك ذِكْرُ الظلم " وقال بعضُهم: إنه يعود على الرؤساء والأتباع. و " بالقسط " يجوز أن تكونَ الباءُ للمصاحبةِ، وأن تكونَ للآلة.