الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }

قوله تعالى: { وَعْدَ ٱللَّهِ }: منصوبٌ على المصدر المؤكِّدِ، لأنَّ معنىٰ " إليه مَرْجِعُكُمْ ": وَعَدَكم بذلك.

وقوله: { حَقّاً } مصدرٌ آخرُ مؤكِّدٌ لمعنى هذا الوعد، وناصبُه مضمر، أي: أَحُقُّ ذلك حقاً. وقيل: انتصب " حقاً " بـ " وَعْدَ " على تقدير " في " ، أي: وَعْدَ الله في حق، يعني على التشبيه بالظرف. وقال الأخفش الصغير: " التقدير: وقتَ حق " وأنشد:
2566 ـ أحقاً عبادَ الله أنْ لَسْتُ ذاهباً   ولا والِجاً إلا عليَّ رقيبُ
قوله: { إِنَّهُ يَبْدَأُ } الجمهورُ على كسر الهمزة للاستئناف. وقرأ عبد الله وابن القعقاع والأعمش وسهل بن شعيب بفتحها. وفيها تأويلاتٌ، أحدها: أن تكونَ فاعلاً بما نصب " حقاً " ، أي: حَقَّ حَقَّاً بَدْءُ الخلق، ثم إعادتُه، كقوله:
2567 ـ أحقاً عبادَ الله أَنْ لستُ جائِياً   ............................
البيت. وهو مذهبُ الفراء فإنه قال: " والتقدير: يحقُّ أنه يبدأ الخلق. الثاني: أنه منصوبٌ بالفعل الذي نَصَبَ " وعد الله " أي: وَعَدَ الله تعالى بَدْء الخلق ثم إعادتَه، والمعنىٰ إعادة الخلق بعد بَدْئه. الثالث: أنه على حَذْف لام الجر أي: لأنه، ذكر هذا الأوجهَ الثلاثة الزمخشري وغيره. الرابع: أنه بدلٌ من " وَعْدَ الله " قاله ابن عطية. الخامس: أنه مرفوعٌ بنفس " حقاً " أي: بالمصدر المنون، وهذا إنما يتأتَّىٰ على جَعْل " حقاً " غيرَ مؤكدٍ؛ لأنَّ المصدر المؤكدَ لا عملَ له إلا إذا ناب عن فعلِه، وفيه بحثٌ. السادس: أن يكونَ " حقاً " مشبهاً بالظرف خبراً مقدماً و " أنَّه " في محلِّ رفعٍ مبتدأً مؤخراً كقولهم: أحقاً أنك ذاهب قالوا: تقديره: أفي حقٍ ذهابك.

وقرأ ابن أبي عبلة: " حَقٌّ أنه " برفع [حق] وفتح " أنَّ " على الابتداء والخبر. قال الشيخ: " وكونُ " حق " خبرَ مبتدأ، و " أنه " هو المبتدأ هو الوجه في الإِعراب، كما تقول: " صحيحٌ أنك تخرج " لأن [اسم] " أنَّ " / معرفة، والذي تقدَّمها في هذا المثال نكرة ". قلت: فظاهرُ هذه العبارةِ يُشعر بجواز العكس، وهذا قد ورد في باب " إنَّ " كقوله:
2568 ـ وإن حراماً أن أَسُبَّ مُجاشعاً   بآبائيَ الشُّمِّ الكرامِ الخَضَارمِ
وقوله:
2569 ـ وإن شفاءً عَبْرَةٌ أَنْ سَفَحْتُها وهل عند رسمٍ دارسٍ مِنْ مُعَوَّل   
على جَعْل " أنْ سفحتُها " بدلاً من " عبرة ". وقد أخبر في " كان " عن نكرةٍ بمعرفةٍ كقوله:
2570 ـ...................   ولا يكُ موقفٌ منكِ الوَدَاعا
وقوله:
2571 ـ....................   يكون مزاجَها عَسَلٌ وماءُ
وقال مكي: " وأجاز الفراء رفع " وعد " ، يجعله خبراً لـ " مرجعكم ".

السابقالتالي
2