الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله تعالى: { وَلَمَّا يَأْتِهِمْ }: جملةٌ حالية من الموصول أي: سارعوا إلى تكذيبهِ حالَ عدم إتيان التأويل. قال الزمخشري: " فإن قلت: ما معنى التوقُّع في قوله تعالىٰ: { وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ }؟ قلت: معناه أنهم كذَّبوا به على البديهة قبل التدبُّر ومعرفةِ التأويل " ، ثم قال أيضاً: " ويجوز أن يكونَ المعنىٰ: ولم تأتِهم بعدُ تأويلُ ما فيه من الإِخبار بالغيوب، أي: عاقبته حتى يتبيَّنَ لهم أَكَذِبٌ هو أم صدقٌ " انتهىٰ. وفي وَضْعه " لم " موضعَ " لَمَّا " نظرٌ لِمَا عَرَفْت ما بينهما من الفرق. ونُفِيَتْ جملةُ الإِحاطة بـ " لم " وجملةُ إتيانِ التأويل بـ " لمَّا " لأن " لم " للنفي المطلق على الصحيح، و " لَمَّا " لنفي الفعل المتصل بزمن الحال، فالمعنى: أنَّ عَدَمَ التأويل متصل بزمن الإِخبار.

و " كذلك " نعتٌ لمصدرٍ محذوف، أي: مثل ذلك التكذيب كَذَّب الذين من قبلهم، أي: قبل النظر والتدبُّر.

وقوله: { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ } " كيف " خبر لـ " كان " ، والاستفهامُ معلِّقٌ للنظر. قال ابن عطية: " قال الزجاج: " كيف " في موضع نصب على خبر كان، ولا يجوز أن يعمل فيها " انظر " لأنَّ ما قبل الاستفهام لا يَعْمل فيه، هذا قانونُ النحويين لأنهم عاملوا " كيف " في كل مكان معاملةَ الاستفهامِ المَحْض في قولك " كيف زيد " و لـ " كيف " تصرُّفاتٌ غيرُ هذا فتحلُّ محلَّ المصدرِ الذي هو " كيفية " وتخلعُ معنى الاستفهام، ويحتمل هذا الموضعُ أن يكونَ منها. ومن تصرُّفاتها قولُهم: " كن كيف شئت " وانظر قول البخاري: " كيف كان بدء الوحي " فإنه لم يستفهم ". انتهىٰ. فقول الزجاج " لا يجوز أن تعمل " انظر " في " كيف " يعني لا تتسلَّط عليها ولكن هو متسلِّطٌ علىٰ الجملة المنسحبِ عليها حكمُ الاستفهام وهكذا سبيلُ كلِّ تعليقٍ.

قال [الشيخ]: " وقولُ ابن عطية: هذا قانون النحويين إلى آخره ليس كما ذكر بل لـ " كيف " معنيان، أحدُهما: الاستفهامُ المحض، وهو سؤال عن الهيئة إلا أن يُعَلَّق عنها العامل، فمعناها معنى الأسماء التي يُستفهم بها إذا عُلِّق عنها العاملُ. والثاني: الشرط كقول العرب: " كيف تكونُ أكونُ ". وقوله: " ولـ " كيف " تصرفات إلى آخره ليس " كيف " تحلُّ محلَّ المصدر، ولا لفظ " كيفية " هو مصدرٌ، إنما ذلك نسبةٌ إلى " كيف " ، وقوله: " ويحتمل أن يكونَ هذا الموضعُ منها، ومِنْ تصرفاتها قولهم: " كن كيف شئت " لا يَحْتمل أن يكون منها؛ لأنه لم يثبتْ لها المعنى الذي ذكر مِنْ كونِ " كيف " بمعنى كيفية وادِّعاءُ مصدرية " كيفية ".

السابقالتالي
2