الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ }

قوله تعالى: { وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ }: " يوم " منصوب بفعلٍ مقدر، أي: خَوِّفْهم، أو ذكِّرْهم يوم. والضميرُ عائد على الفريقين، أي: الذين أحسنوا والذين كسبوا. و " جميعاً " حال. ويجوز أن تكون تأكيداً عند مَنْ عَدَّها مِنْ ألفاظ التأكيد.

قوله: { مَكَانَكُمْ } ، " مكانكم " اسمُ فعل، ففسَّره النحويون بـ " اثبتوا " فيحمل ضميراً، ولذلك أُكِّد بقوله: " أنتم " وعُطِف عليه " شركاؤكم " ، ومثله قول الشاعر:
2590 ـ وقَوْلِي كلما جَشَأَتْ وجاشَتْ   مكانَكِ تُحْمَدي أو تَسْتريحي
أي: اثبتي، ويدلُّ على جزمُ جوابِه وهو " تُحْمَدي ". وفسَّره الزمخشري بـ " الزموا " قال: " مكانكم " أي: الزموا مكانكم، ولا تَبْرحوا حتى تنظروا ما يُفْعل بكم ". قال الشيخ: " وتقديره له بـ " الزموا " ليس بجيد، إذ لو كان كذلك لتعدَّى كما يتعدَّى ما ناب هذا عنه، فإنَّ اسمَ الفعلِ يُعامل معاملةَ مسمَّاه، ولذلك لمَّا قدَّروا " عليك " بمعنى " الزم " عدَّوْه تعديتَه نحو: عليك زيداً. و [عند] الحوفي " مكانكم " نُصب بإضمار فعل، أي: الزموا مكانكم أو اثبتوا ". قلت: فالزمخشري قد سُبِق بهذا التفسير. والعذرُ لمَنْ فسَّره بذلك أنه قصد تفسير المعنى، وكذلك فَسَّره أبو البقاء فقال: " مكانكم " ظرفٌ مبنيٌّ لوقوعِه موقعَ الأمر، أي: الزموا ".

وهذا الذي ذكره مِنْ كونه مبنياً فيه خلاف للنحويين: منهم مَنْ ذهب إلى ما ذَكَر، ومنهم مَنْ ذهب إلى أنها حركةُ إعراب، وهذان الوجهان مبنيَّان على خلافٍ في أسماء الأفعال: هل لها محلٌّ من الإِعراب أو لا؟، فإن قلنا لها محلٌّ كانت حركاتُ الظرفِ حركاتِ إعراب، وإن قلنا: لا موضع لها كانت حركاتِ بناء. وأمَّا تقديرُه بـ " الزموا " فقد تقدَّم جوابه.

وقوله: { أَنتُمْ } فيه وجهان أحدهما: أنه تأكيدٌ للضمير المستتر في الظرفِ لقيامِه مقامَ الفاعلِ كما تقدَّم التنبيه عليه. والثاني: أجازه ابن عطية، وهو أن يكونَ مبتدأً، و " شركاؤكم " معطوف عليه، وخبرُه محذوفٌ قال: " تقديرُه: أنتم وشركاؤكم مُهاون أو مُعَذَّبون " ، وعلى هذا فيُوقَفُ على قوله: " مكانكم " ثم يُبتدأ بقوله: " أنتم " ، وهذا لا يَنْبغي أن يقال، لأن فيه تفكيكاً لأفصحِ كلام وتبتيراً لنظمه من غير داعيةٍ إلى ذلك، ولأن قراءةَ مَنْ قرأ " وشركاءَكم " نصباً تدل على ضعفه، إذ لا تكونُ إلا من الوجه الأول، ولقولِه: " فزيَّلْنا بينهم " ، فهذا يدلُّ على أنهم أُمِروا هم وشركاؤهم بالثبات في مكانٍ واحدٍ حتى يحصلَ التَّزْيِِيْلُ بينهم.

وقال ابن عطية أيضاً: " ويجوزُ أن يكون " أنتم " تأكيداً للضمير الذي في الفعل المقدر الذي هو " قفوا " ونحوه ".

السابقالتالي
2