الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ }: فيه سبعةُ أوجه: أحدُها: " أن يكونَ " والذين " نسقاً على " للذين أحسنوا " أي: للذين أحسنوا الحسنى، واللذين كسبوا السيئاتِ جزاءُ سيئةٍ بمثلها، فيتعادل التقسيم كقولك: " في الدار زيدٌ والحجرةِ عمروٌ " ، وهذا يسميه النحويون عطفاً على معمولي عاملين. وفيه ثلاثة مذاهب، أحدها: الجواز مطلقاً، وهو قول الفراء. والثاني: المنعُ مطلقاً وهو مذهب سيبويه. والثالث: التفصيل بين أن يتقدَّم الجارُّ نحو: " في الدار زيد والحجرةِ عمرو " ، فيجوز، أو لا، فيمتنع نحو: " إن زيداً في الدار وعمراً القصر " ، أي: وإن عمراً في القصر. وسيبويه وأتباعه يُخَرِّجون ما ورد منه على إضمار الجارِّ كقوله تعالى:وَٱخْتِلاَفِ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ... لآيَاتٍ } [الجاثية: 5] بنصب " آيات " في قراءة الأخوين على ما سيأتي، وكقوله:
2585 ـ أكلَّ امرىءٍ تحسبين امرأً   ونارٍ توقَّدُ بالليل نارا
وقول الآخر:
2586 ـ أَوْصَيْتَ مَنْ تَوَّه قلباً حُرَّاً   بالكلبِ خيراً والحماةِ شَرَّا
وسيأتي لهذا مزيدُ بيان في غضون هذا التصنيف. وممَّن ذهب إلى أن هذا الموصولَ مجرور عطفاً على الموصول قبله ابن عطية وأبو القاسم الزمخشري. الثاني: أن " الذين " مبتدأ، وجزاء سيئة مبتدأ ثانٍ، وخبره " بمثلها " ، والباء فيه زائدة، أي: وجزاءُ سيئةٍ مثلها كقوله تعالى:وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [الشورى: 40]، كما زِيْدَتْ في الخبر كقوله:
2587 ـ فلا تطمعْ ـ أبيت اللعنَ - فيها   ومَنْعُكها بشيءٍ يُسْتطاع
أي: شيء يستطاع، كقول امرىء القيس:
2588 ـ فإن تَنْأَ عنها حقبةً لا تلاقِها   فإنَّك ممَّا أَحْدَثْتَ بالمجرِّب
أي:المجرِّب، وهذا قولُ ابن كيسان في الآية. الثالث: أن الباءَ ليست بزائدةٍ والتقدير: مُقَدَّر بمثلها أو مستقر بمثلها، والمبتدأ الثاني وخبرُه خبرٌ عن الاول. الرابع: أن خبرَ " جزاء سيئة " محذوفٌ، فقدَّره الحوفي بقوله: " لهم جزاء سيئة " قال: ودَلَّ على تقدير " لهم " قوله: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ } حتى تتشاكلَ هذه بهذه. وقدَّره أبو البقاء: جزاء سيئة بمثلها واقع، وهو وخبره أيضاً خبر عن الأول. وعلى هذين التقديرين فالباءُ متعلقةٌ بنفس جزاء، لأن هذه المادةَ تتعدَّى بالباء، قال تعالى:جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ } [سبأ: 17]وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ } [الإنسان: 12] إلى غير ذلك. فإن قلت: أين الرابطُ ين هذه الجملةِ والموصولِ الذي هو المبتدأ؟، قلت: على تقديرِ الحوفي هو الضميرُ المجرور باللام المقدر خبراً، وعلى تقديرِ أبي البقاء هو الضميرُ المجرور باللام المقدر خبراً، وعلى تقدير أبي البقاء هو محذوف/ تقديرُه: جزاءُ سيئة بمثلها منهم واقعٌ، نحو: " السَّمْن مَنَوان بدرهم " وهو حَذْفٌ مُطَّرد لِما عرفْتَه غيرَ مرة.

الخامس: أن يكونَ الخبرُ الجملةَ المنفية من قوله: { مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ } ، ويكون " مِنْ عاصم " إمَّا فاعلاً بالجارِّ قبله لاعتماده على النفي، وإمَّا مبتدأً، وخبرُه الجارُّ مقدماً عليه، و " مِنْ " مزيدة فيه على كلا القولين.

السابقالتالي
2 3