الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { إِذَا هُمْ يَبْغُونَ }: جوابُ " لمَّا " ، وهي " إذا " الفجائية. وقوله: " بغير الحق " حالٌ، أي: ملتبسين بغير الحق. قال الزمخشري: " فإنْ قلتَ: ما معنىٰ قوله: " بغير الحق " والبغيُ لا يكونُ بحق؟ قلت: بلى وهو استيلاء المسلمين على أرضِ الكفار وهَدْمُ دورِهم وإحراقُ زروعِهم وقَطْعُ أشجارهم، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة " ، وكان قد فَسَّر البغيَ بالفسادِ والإِمعان فيه، مِنْ " بَغَىٰ الجرحُ: إذا ترامىٰ للفساد ". ولذلك قال الزجاج: " إنه الترقّي في الفساد " ، وقال الأصمعيُّ أيضاً: " بَغَىٰ الجرحُ: تَرَقَّىٰ إلى الفساد، وبَغَت المرأة: فَجَرَت " ، قال الشيخ/ " ولا يَصِحُّ أن يُقال في المسلمين إنهم باغُون على الكفرة، إلا إنْ ذُكر أنَّ صلَ البغيِ هو الطلبُ مطلقاً، ولا يتضمَّن الفسادَ، فحينئذ ينقسم إلى طلبٍ بحق وطلب بغير حق " ، قلت: وقد تقدَّم أنَّ هذه الآيةَ تَرُدُّ على الفارسي أنَّ " لمَّا " ظرف بمعنىٰ حين؛ لأن ما بعد " إذا " الفجائية لا يَعْمل فيما قبلها، وإذ قد فَرَضَ كونَ " لمَّا " ظرفاً لزمَ أن يكونَ لها عاملٌ.

قوله: { مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ } قرأ حفص " متاعَ " نصباً، ونصبُه على خمسة أوجه، أحدُها: أنه منصوب على الظرف الزماني نحو " مَقْدَم الحاج " ، أي: زَمَن متاع الحياة. والثاني: أنه منصوبٌ على المصدر الواقع موقع الحال، أي: مُتَمتعين. والعاملُ في هذا الظرف وهذه الحالِ الاستقرار الذي في الخبر، وهو " عليكم ". ولا يجوزُ أن يكونا منصوبين بالمصدر لأنه يلزم منه الفصلُ بين المصدرِ ومعمولِه بالخبر، وقد تقدَّم أنه لا يُخْبَرُ عن الموصول إلا بعد تمامِ صلته. والثالث: نصبُه على المصدرِ المؤكِّد بفعلٍ مقدر، أي: يتمتعون متاع الحياة. الرابع: أنه منصوبٌ على المفعول به بفعلٍ مقدر يدلُّ عليه المصدر، أي: يبغون متاعَ الحياة. ولا جائزٌ أن ينتصِبَ بالمصدر لِما تقدم. الخامس: أن ينتصب على المفعولِ مِنْ أجله، أي: لأجلِ متاع والعامل فيه: إمَّا الاستقرارُ المقدَّرُ في " عليكم " ، وإمَّا فعلٌ مقدر. ويجوز أن يكونَ الناصبُ له حالَ جعله ظرفاً أو حالاً او مفعولاً من أجله نفسَ البغي لا على جَعْل " على أنفسكم " خبراً بل على جَعْله متعلقاً بنفس البغي، والخبرُ محذوفٌ لطول الكلام، والتقدير: إنما بَغْيُكم على أنفسكم متاعَ الحياة مذومٌ أو مكروهٌ أو منهيٌّ عنه.

وقرأ باقي السبعة " متاعُ " بالرفع. وفيه أوجه، أحدُها: ـ وهو الأظهر ـ أنه خبرُ " بَغْيكم " و " على أنفسِكم " متعلقٌ بالبغي.

السابقالتالي
2