الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

قوله تعالى: { مَا لاَ يَضُرُّهُمْ }: " ما " موصولة، أو نكرةٌ موصوفةٌ وهي واقعةٌ على الأصنام، ولذلك راعى لفظها، فأفرد في قوله: { مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ } ومعناها فجمع في قوله " هؤلاء شفعاؤنا ".

قوله: { أَتُنَبِّئُونَ } قرأ بعضهم: " أتُنْبِئون " مخففاً مِنْ أنبأ، يقال: أنبأ ونبَّأ كأخبرَ وخبَّر. وقوله: { بِمَا لاَ يَعْلَمُ } " ما " موصولةٌ بمعنى الذي أو نكرة موصوفة كالتي تقدمت. وعلى كلا التقديرين فالعائد محذوف، أي: يعلمه. والفاعل هو ضمير الباري تعالىٰ، والمعنىٰ: أتنبِّئوون الله بالذي لا يعلمه الله، وإذا لم يعلم الله شيئاً استحال وجودُ ذلك الشيء، لأنه تعالىٰ لا يَعْزُب عن علمه شيء، وذلك الشيء هو الشفاعة، فـ " ما " عبارة عن الشفاعة.

والمعنىٰ: أن الشفاعةَ لو كانَتْ لَعَلِمَهَا الباري تعالىٰ. وقوله: { فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } تأكيدٌ لنفيه، لأنَّ كل موجود لا يَخْرج عنهما. ويجوزُ أن تكونَ " ما " عبارةً عن الأصنام. وفاعل " يعلمُ " ضميرٌ عائد عليها. والمعنىٰ: أَتُعَلِّمون اللَّهَ بالأصنامِ التي لا تَعْلَم شيئاً في السموات ولا في الأرض، وإذا ثَبَتَ أنها لا تعلم فكيف تشفع؟ والشافع لا بد وأن يعرفَ المشفوعَ عنده، والمشفوعَ له، هكذا أعربه الشيخ، فجعل " ما " عبارة عن الأصنام لا عن الشفاعة، والأول أظهر. و " ما " في " عَمَّا يشركون " يُحتمل أن تكونَ بمعنى الذي، أي: عن شركائهم الذي يُشْركونهم به في العبادة. أو مصدريةٌ، أي: عن إشراكهم به غيره.

وقرأ الأخَوان هنا " عَمَّا يُشْركون " ، وفي النحل موضعين، الأول:سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ } [الآية: 1]، والثاني:بِٱلْحَقِّ تَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [الآية: 3]. وفي الروم:هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } [الآية: 40] بالخطاب. والباقون بالغَيْبة في الجميع. والخطاب والغيبة واضحتان.

وأتىٰ هنا بـ " يُشْركون " مضارعاً دون الماضي تنبيهاً على استمرار حالِهم كما جاؤوا يعبدون، وتنبيهاً أيضاً على أنَّهم على الشرك في المستقبل، كما كانوا عليه في الماضي.