الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }

قوله تعالى: { صِرَاطَ ٱلَّذِينَ }: بدلٌ منه بدلُ كلٍ من كل، وهو بدلُ معرفةٍ من معرفة، والبدلُ سبعة أقسام، على خلافٍ في بعضها، بدلُ كلٍ من كل، بدلُ بعض من كل، بدلُ اشتمال، بدل غلط، بدل نسيان، بدل بَداء، بدل كل من بعض. أمّا الأقسامُ الثلاثة الأُوَلُ فلا خلافَ فيها، وأمّا بَدَلُ البَدَاء فأثبته بعضهم مستدلاً بقوله عليه السلام: " إنَّ الرجل ليصلي الصلاةَ، وما كُتب له نصفُها ثلثُها ربعُها إلى العُشْر " ، ولا يَرِدُ هذا في القرآن، وأمّا الغَلطُ والنِّسيانُ فأثبتهما بعضُهم مستدلاً بقول ذي الرمة:
72ـ لَمْياءُ في شفَتْيها حُوَّةٌ لَعَسٌ   وفي اللِّثاثِ وفي أَنْيابِها شَنَبُ
قال: لأنَّ الحُوَّة السوادُ الخالص، واللَّعَسُ سوادٌ يَشُوبه حمرة. ولا يَرِدُ هذان البدلان في كلامٍ فصيحٍ، وأمَّا بدلُ الكلِّ من البعضِ فأثبته بعضُهم مستدلاً بظاهر قوله:
73ـ رَحِم اللهُ أَعْظُماً دَفَنُوها   بسجِسْتَان طَلْحَةَ الطَّلَحاتِ
وفي روايةِ مَنْ نَصَبَ " طلحة " قال: لأن الأعظُمَ بعضُ طلحة، وطلحة كلٌ، وقد أُبْدِل منها، واستدلَّ على ذلك أيضاً بقول امرئ القيس:
74ـ كأني غداةَ البَيْنِ يومَ تَحَمَّلوا   لدى سَمُراتِ الحَيِّ ناقِفُ حَنْظَلِ
فغذاةَ بعضُ اليوم، وقَد أبدل " اليومَ " منها. ولا حُجَّة في البيتين، أمَّا الأولُ: فإن الأصل: أعظُماً دفنُوها أعظمَ طلحة، ثم حُذِفَ المضافُ وأُقيم المضاف إليه مُقامه، ويَدُلُّ على ذلك الروايةُ المشهورة وهي جر " طلحة " ، على أن الأصل: أعظُمَ طلحة، ولم يُقِم المضافَ إليه مُقامَ المضاف، وأمَّا الثاني فإن اليوم يُطلق على القطعة من الزمان كما تقدَّم. ولكلِّ مذهبٍ من هذه المذاهب دلائلُ وإيرادات وأجوبةٌ، موضوعُها كتب النحو.

وقيل: إن الصراطَ الثاني غيرُ الأول والمرادُ به العِلْمُ بالله تعالى، قاله جعفر بن محمد، وعلى هذا فتخريجُه أن يكونَ معطوفاً حُذِف منه حرفُ العطفِ وبالجملةِ فهو مُشْكِلٌ.

والبدلُ ينقسِمُ أيضاً إلى بدلِ معرفةٍ من معرفة ونكرةٍ من نكرة ومعرفةٍ من نكرة ونكرة من معرفة، وينقسم أيضاً إلى بدلِ ظاهرٍ من ظاهرٍ ومضمرٍ من مضمرٍ وظاهرٍ من مضمر ومضمرٍ من ظاهر. وفائدةُ البدلِ: الإِيضاحُ بعد الإِبهام، ولأنه يُفيد تأكيداً من حيث المعنى إذ هو على نيَّةِ تكرارِ العاملِ.

و " الذين " في محلِّ جرٍّ بالإِضافة، وهو اسمٌ موصولٌ لافتقارِه إلى صلةٍ وعائدٍ وهو جمع " الذي " في المعنى، والمشهورُ فيه أن يكون بالياء رفعاً ونصباً وجراً، وبعضهم يرفعه بالواو جَرْياً له مَجْرى جمعِ المذكر السالم ومنه:
75ـ نحن اللذونَ صَبَّحوا الصَّباحا   يومَ النُّخَيْلِ غَارةً مِلْحاحَا
وقد تُحْذف نونه استطالةً بصلتِه، كقوله:
76ـ وإنَّ الذي حَانَتْ بفَلْجٍ دماؤُهُمْ   هم القومُ كلُّ القومِ يا أمَّ خالدِ
ولا يقع إلا على أولي العلم جَرْياً به مَجْرى جمعِ المذكرِ السالمِ، بخلاف مفرده، فإنه يقع على أولي العلمِ وغيرهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6