الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } * { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } * { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ } * { سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ }

{ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } يعني القرآن كنايةً عن غير مذكور، جملةً واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، فوضعناه في بيت العزّة وأملاه جبرئيل على السَّفَرة ثم كان يُنزله جبرئيل على محمد (عليهما السلام) بنحو ما كان، من أوّله إلى آخره بثلاث وعشرين سنة، ثم عجَّب نبيّه (عليه السلام) فقال: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ }.

والكلام في ليلة القدر على خمسة أبواب:

الباب الأوّل: في مأخذ هذا الاسم ومعناه، واختلف العلماء، فقال أكثرهم: هي ليلة الحكم والفصل يقضي اللّه فيها قضاء السنة، وهو مصدر من قولهم: قدر اللّه الشيء قَدْراً وقَدَراً لغتان كالنَّهْر والنَّهَر والشَّعْر والشَّعَر، وقدَّرهُ تقديراً له بمعنى واحد، قالوا: وهي الليلة التي قال اللّه سبحانه:إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } [الدخان: 3-4] وإنّما سُمّيت ليلة القدر مباركة؛ لأن اللّه سبحانه يُنزل فيها الخير والبركة والمغفرة.

وروى أبو الضحى عن ابن عباس أن اللّه عزّ وجلّ يقضي الأقضية في ليلة النصف من شعبان ويُسلمها إلى أربابها في ليلة القدر.

روي أنه تعالى يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة إلاّ الكاهن أو الساحر أو مدمن خمر أو عاق لوالديه أو مصرّ على الزنا أو [مشاحن] أو قاطع رحم.

وقيل للحسين بن الفضل: أليس قد قدّر اللّه سبحانه المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض؟ قال: نعم، قال: فما معنى ليلةُ القدر؟ قال: سَوقُ المقادير إلى المواقيت وتنفيذ القضاء المقدَّر.

أخبرني عقيل أن أبا الفرج أخبرهم عن ابن جُبير قال: حدّثنا ابن حميد قال: حدّثنا مهران عن سفيان عن محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير قال: يؤْذن للحُجاج في ليلة القدر فيكتبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، فلا يُغادر منهم أحد ولا يزاد ولا ينقصُ منهم.

وقال الزهري: هي ليلة العظمة والشرف، من قول الناس لفلان عند الأمير قدْر أي جاه ومنزلة، يقال: قدرت فلاناً أي عظّمتهُ قال اللّه سبحانه:وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } [الأنعام: 91] أي ما عظّموا اللّه حق عظمتهِ وقال أبو بكر الورّاق: سُمِّيتْ بذلك لأنّ من لم يكن ذا قدر وخطر يصيرُ في هذه الليلة ذا قدر إذا أدركها وأحياها.

وقيل: إنّ كلّ عمل صالح يؤخذ فيها من المؤمن فيكون ذا قدر وقيمة عند اللّه لكونه مقبولا فيها.

وقيل: لأنّه أُنزل كتابٌ ذو قدر على رسول ذي قدر لأجل أُمّة ذاتِ قدر، وقال سهل بن عبد اللّه: لأنّ اللّه سبحانه يقدّر الرحمة فيها على عباده المؤمنين.

وقيل: لأنه يُنزَّل فيها إلى الأرض ملائكة أُولو قدر وذوو خطر.

وقال الخليل بن أحمد: سُمِّيت بذلك لأنّ الأرض تضيق فيها بالملائكة من قوله: { وَيَقْدِرُ }

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10