الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } * { فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } * { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ }

{ وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ } الآية.

روى القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أُمامة الباهلي قال: " جاء ثعلبة بن حاطب الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله ادع الله أن يرزقني مالا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ويحك يا ثعلبة قليل تؤدّي شكره خير من كثير لا تطيقه " ثم أتاه بعد ذلك. فقال: يارسول الله أدع الله أن يرزقني مالا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [الأحزاب: 21]، والذي نفسي بيده لو أردت أن تصير الجبال معي ذهباً وفضة لصارت " ثم أتاه بعد ذلك فقال: يارسول الله ادع الله أن يرزقني مالاً، والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالاً لأعطينّ كلّ ذي حق حقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اللهم ارزق ثعلبة مالاً ". قال: فاتخذ غنماً فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها، فنزل وادياً من أوديتها وهي تنمو كما تنمو الدود، وكان يصلّي مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر، ويصلّي في غنمه ساير الصلوات، ثم كثرت ونمت حتى تباعد عن المدينة فصار لا يشهد إلا الجمعة، ثم كثرت ونمت فتباعد حتى كان لايشهد جمعة ولا جماعة، فكان إذا كان يوم الجمعة يمر على الناس يسألهم عن الأخبار، فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل ذات يوم فقال: مافعل ثعلبة؟ قالوا يا رسول الله اتخذ ثعلبة غنماً مايسعها واد.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا ويح ثعلبة، ياويح ثعلبة، ياويح ثعلبة " وأنزل الله تعالى آية الصدقة فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني سليم ورجل من جهينة وكتب لهما إتيان الصدقة وكيف يأخذان وقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مُرّا بثعلبة بن حاطب ورجل من بني سليم فخذا صدقاتهما ".

فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة وقرءا له كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أُخت الجزية، انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إليّ، فانطلقا وسمع بهما السلمي فنظر إلى خيار أسنان ابله، فعزلها للصدقة ثم استقبلهما بها فلمّا زادها قالا: ما هذا عليك، قال: خذاه فإن نفسي بذلك طيبة، فمرّا على الناس وأخذا الصدقات، ثم رجعا إلى ثعلبة فقال: أروني كتابكما فقرأه ثم قال: ما هذه إلا جزية، ما هذه الا أُخت الجزية، إذهبا حتى أرى رأيي، قال: فأقبلا فلمّا رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتكلّما قال: " ياويح ثعلبة، ياويح ثعلبة، ياويح ثعلبة " ثم دعا للسلمي بخير فأخبراه بالذي صنع ثعلبة، فأنزل الله فيه { وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ } إلى قوله { وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ } وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة فسمع قوله فخرج حتى أتاه فقال: ويحك ياثعلبة قد أنزل الله عز وجل فيك كذا وكذا، فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يقبل منه الصدقة.

فقال: " إن الله تعالى منعني أن أقبل منك صدقتك " فجعل يحثي على رأسه التراب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني " فلما نهى أن يُقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع إلى منزله وقُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبض ولم يقبل منه شيئاً "

السابقالتالي
2 3 4 5