الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ } بالسيف والقتال { وَٱلْمُنَافِقِينَ }. اختلفوا في صفة جهاد المنافقين، قال ابن مسعود: بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، فإن لم يستطع فاكفهر في وجهه. قال ابن عباس: باللسان وشدة الزجر بتغليظ الكلام، قال الحسن وقتادة: بإقامة الحدود عليهم، ثم قال { وَمَأْوَاهُمْ } في الآخرة { جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } قال [ابن مسعود وابن عباس] وهذه الآية نسخت كل شيء من العفو [والصلح] والصفح.

{ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ } قال ابن عباس: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في ظل شجرة فقال: إنه سيأتيكم إنسان ينظر اليكم بعينيّ شيطان، إذا جاء فلا تكلّموه، فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فانطلق الرجل فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ماقالوا، فأنزل الله تعالى هذه الآية. "

وقال الضحاك: " خرج المنافقون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك،وكانوا إذا خلا بعضهم ببعض سبّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وطعنوا في الدين، فنقل ماقالوا حذيفة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي: يا أهل النفاق ما هذا الذي بلغني عنكم؟فحلفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالوا بشيء من ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية إكذاباً لهم "

وقال الكلبي: نزلت في الجلاس بن سويد بن الصامت [لأنّ] " رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم بتبوك وذكر المنافقين فسمّاهم رجساً وعابهم، فقال الجلاس: والله إن كان محمد صادقاً فيما يقول فنحن شر من الحمير فسمعه عامر بن قيس، فقال: أجل والله إن محمداً لصادق مصدق وأنتم شر من الحمير.

فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتاه عامر بن قيس فأخبره بما قال الجلاس، فقال الجلاّس: كَذِب يا رسول الله عليّ، ما قلتُ شيئاً من ذلك، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلفا عند المنبر بعد العصر، فحلف بالله الذي لا إله إلاّ هو ما قاله، وإنه كذب عليّ عامر، ثم قام عامر فحلف بالله الذي لا إله إلاّ هو لقد قاله وما كذبت عليه، ثم رفع عامر بيديه إلى السماء فقال: اللهم أنزل على نبيك الصادق منا المصدّق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون: آمين، فنزل جبرئيل على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتفرقا بهذه الآية حتى بلغ { فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ } فقام الجلاس، فقال: يارسول الله أسمع الله قد عرض عليّ التوبة، صدق عامر بن قيس في ذلك، لقد قلته وأنا أستغفر الله وأتوب إليه، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منه ثم تاب فحسن توبته ".


السابقالتالي
2