الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } * { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } * { إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ } * { وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ } * { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } * { لَقَدِ ٱبْتَغَوُاْ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلأُمُورَ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ } * { وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ }

ثم نزل في المتخلفين عن غزوة تبوك من المنافقين { لَوْ كَانَ } اسمه مضمر أي لو كان ما يدعوهم إليه { عَرَضاً قَرِيباً } غنيمة حاضرة { وَسَفَراً قَاصِداً } وموضعاً قريباً.

قال المبرّد: قاصداً أي ذا قصد نحو تامر ولابن، وقيل: هو طريق مقصود فجعلت صفته على [فاعلة بمعنى مفعولة] كقولهعِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [الحاقة: 21] أي مرضية. { لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ } يعني المسافة وقال الكسائي: هي الغزاة التي يخرجون إليها، وقال قطرب: هي السفر البعيد سمّيت شقة لأنّها تشقّ على الانسان، والقراءة بضم الشين وهي اللغة الغالبة، وقرأ عبيد ابن عمير بكسر الشين وهي لغة قيس.

{ وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا } قرأ الأعمش بضم الواو لأن أصل الواو الضمة، وقرأ الحسن بفتح الواو لأن الفتح أخفّ الحركات، وقرأ الباقون بالكسر لأن الجزم يحرّك بالكسر { لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ } بالحلف الكاذب { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } في أيمانهم [واعتلالهم] { عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ } قدّم العفو على القتل.

قال قتادة وعمرو بن ميمون: شيئان فعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يؤمر بهما: إذنه للمنافقين وأخذه من الأُسارى الفدية فعاتبه الله كما تسمعون.

وقال بعضهم: إنّ الله عز وجل وقّره ورفع محله [فهو افتتاح] الكلام بالدعاء له، كما يقول الرجل لمخاطبه إن كان كريماً عنده: عفا الله عنك ماصنعت في حاجتي ورضي الله عنك إلاّ زرتني، وقيل: معناه: أدام الله لك العفو.

{ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ } في أعذارهم { وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ } فيها { لاَ يَسْتَأْذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } إلى قوله تعالى { وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ } شكّت ونافقت قلوبهم { فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ } متحيّرين، { ولو أرادوا الخروج } إلى الغزو { لأَعَدُّواْ } لهيّأوا { لَهُ عُدَّةً } وهي المتاع والكراع { وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ } لم يرد الله { ٱنبِعَاثَهُمْ } [خروجهم] { فَثَبَّطَهُمْ } فمنعهم وحبسهم { وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ } في بيوتكم { مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ } يعني المرضى والزمنى، وقيل: النساء والصبيان.

{ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم } الآية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس بالجهاد لغزوة تبوك، فلمّا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وعسكره على ثنيّة الوداع، ولم يكن بأقلّ العسكرين، فلمّا سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه عبد الله بن أُبيّ فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب، فأنزل الله تعالى [يعزي] نبيه صلى الله عليه وسلم { لو خرجوا فيكم } يعني المنافقين { مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } فساداً، وقال الكلبي: شرّاً وقيل: غدراً ومكرا { ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ } يعني ولأوضعوا ركابهم بينكم، يقال: وضعت الناقة تضع وضعاً ووضوعاً إذا أسرعت السير، وأوضعها أيضاعاً أي جدّ بها فأسرع، قال الراجز:
يا ليتني فيها جذع   أخبّ فيها وأضعْ
وقال: أقصرْ فإنك طالما   أوضعت في إعجالها

السابقالتالي
2