الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } * { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } * { ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } * { ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

ثم قال: { قُلْ } يا محمد للمتخلّفين عن الهجرة والجهاد { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ } وقرأ أبو رجاء ويعقوب وعشيراتكم بالألف على الجمع واختلف فيه عن عاصم { وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا } اكتسبتموها وقال قتادة: اكتسبتموها { وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا } وهو ضد النفاق وأصله البقاء. قال الشاعر:
كسدن من الفقر في قومهن   وقد زادهن مقامي كسودا
{ وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ } (تعجبكم) قال السدي: يعني القصور والمنازل { أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ } فانتظروا { حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } قال عطاء: بقضائه، وقال مجاهد ومقاتل: يعني فتح مكة { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي } لا يُرشد ولا يوفّق { ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } الخارجين من طاعته إلى معصيته.

{ لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ } أيّها المؤمنون { فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ } أي مشاهدوها أماكن حرب تستوطنون فيها أنفسكم على لقاء عدوكم { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ } يعني وفي يوم حنين وهو واد بين مكة والطائف.

وقال عروة بن الزبير: هو واد إلى جنب ذي المجاز والحري، ولأنه اسم لمذكر فقد يترك إجزاؤه يراد به اسم البلدة التي هو بها، ومنه قول الشاعر:
نصروا نبيهم وشدّوا أزره   بحنين يوم تواكل الابطال
وكانت قصة حنين على ما ذكره المفسّرون بروايات كثيرة لفّقتها ونسّقتها لتكون أقرب إلى الأفهام وأحسن [.....] " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح مكة وقد بقيت عليه أيام من شهر رمضان ثم خرج متوجهاً إلى حنين لقتال هوازن وثقيف في اثني عشر الفاً، عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وألفان من الطائف ".

قال قتادة، وقال مقاتل: كانوا أحد عشر ألفاً وخمسمائة، وقال الكلبي: كانوا عشرة آلاف وكانوا يومئذ أكثر ما كانوا [.......] وكان المشركون أربعة آلاف من هوازن وثقيف، وعلى هوازن ملك بن عوف النضري، وعلى ثقيف كنانة بن عبد ياليل بن عمرو بن عمير الثقفي، فلما التقى الجمعان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لن تُغلب اليوم من قلّة " ، ويقال: بل قال ذلك رجل من المسلمين يقال له سلمة بن سلامة (وسمع) رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه، ووكلوا إلى كلمة الرجل.

قال: فاقتتلوا قتالاً شديداً. فانهزم المشركون وخلوا من الذراري، ثم نادوا: ياحماة السوء اذكروا الفضائح، فتراجعوا وانكشف المسلمون.

وقال قتادة: وذُكر لنا أن الطلقاء (إنجفلوا) يومئذ بالناس وسأل رجل البراء بن عازب: أفررتم يوم حنين؟ فقال: كانت هوازن رماة وإنّا لمّا حملنا عليهم وانكشفوا وأقبلنا على الغنائم، فاستقبلوا بالسهام فانكشف المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الكلبي: كان حول رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلاثمائة من المسلمين وانهزم سائر الناس عنهم.

وقال الآخرون: لم يبق يومئذ مع النبي صلى الله عليه وسلم غير العباس بن عبد المطلب وعلي وأيمن بن أم أيمن، وقُتل يومئذ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وطفق رسول الله يركض بغلته نحو الكفار لا يألوا، وكانت بغلة شهباء أهداها له فروة الجدامي.

السابقالتالي
2 3 4