الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } * { أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ } * { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } * { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَٰلِدُونَ } * { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَىٰ ٱلزَّكَٰوةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ }

{ وَإِن نَّكَثُوۤاْ } نقضوا يقال منه: نكث فلان قويَّ حبله إذا نقضه { أَيْمَانَهُم } عهودهم { مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ } عقدهم { وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ } ثلبوه وعابوه وذلك انهم قالوا: ليس دين محمد بشيء { فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ } قرأ أهل الكوفة أأُمّة الكفر بهمزتين على التحقيق لأن أصلها أمّمة مثل: مثال وأمثله وعماد وأعمدة، ثم أُدغمت الميم التي هي عن أفعلة في الميم الثانية ونُقلت حركتها إلى الهمزة الساكنة التي هي فاء الفعل فصار أئمة، فإنّما كتبت الهمزة الثانية ياءً لما فيها من الكسرة وهي لغة تميم، وقرأ الباقون: أيمة (بهمزة واحدة) من دون الثانية طلباً للخفّة، أئمّة الكفر: رؤوس المشركين وقادتهم من أهل مكة.

قال ابن عباس: نزلت في أبي سفيان بن حرب والحرث بن هشام وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، وسائر رؤساء قريش يومئذ الذين نقضوا العهد، وهم الذين همّوا بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم وقال مجاهد: هم أهل فارس الروم، وقال حذيفة بن اليمان: ما قُوتل أهل هذه الآية ولم يأت أهلها بعد { إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ } عهودهم، جمع يمين أي وفاء باليمين. قال قطرب: لا وفاء لهم بالعهد وأنشد:
وإن حَلَفَتْ لاينقض النّأيّ عهدَها   فليس لمخضوب البنان يمين
الحسين وعطاء وابن عامر: لا إيمان لهم بكسر الهمزة، ولها وجهان: أحدهما لاتصديق لهم، يدل عليه تأويل عطية العوفي قال: لا دين لهم ولا ذمّة، فلا تؤمنوا بهم فاقتلوهم، حيث وجدتموهم فيكون مصدراً من الإيمان الذي هو ضد الاخافة قال الله عز وجل:وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } [قريش: 4] { لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } لكي ينتهوا عن الطعن في دينكم والمظاهرة عليكم، وقيل: عن الكفر.

ثم قال حاضّاً المسلمين على جهاد المشركين { أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ } نقضوا عهودهم { وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ } محمد صلى الله عليه وسلم من مكة { وَهُم بَدَءُوكُمْ } بالقتال { أَوَّلَ مَرَّةٍ } يعني يوم بدر، وقال أكثر المفسرين: أراد بدؤوكم بقتال خزاعة حلفاء رسول الله { أَتَخْشَوْنَهُمْ } أتخافونهم فتتركون قتالهم { فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ } تخافوه في ترككم قتالهم { إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ * قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ } يقتلْهم الله { بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ } يذلّهم بالأسر والقهر { وَيَنْصُرْكُمْ } ويظهركم { عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ } ويبرئ قلوب { قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } بما كانوا ينالونه من الأذى والمكروه منهم. قال مجاهد والسدي: أراد صدور خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } كربها ووجدها بمعونة قريش نكداً عليهم.

ثم قال مستأنفاً { وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ } يهديه للاسلام كما فعل بأبي سفيان، وعكرمة ابن أبي جهل وسهيل بن عمرو { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } وقرأ الاعرج وعيسى وابن أبي إسحاق: ويتوب على النصب على الصرف.

قوله { أَمْ حَسِبْتُمْ } أظننتم، وإنما دخل الميم لأنه من الاستفهام المعترض بين الكلام فأُدخلت فيه أم ليفرّق بينه وبين الاستفهام والمبتدأ، واختلفوا في المخاطبين بهذه الآية: قال الضحاك عن ابن عباس قال: يعني بها قوماً من المنافقين كانوا يتوسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج معه للجهاد دفاعاً وتعذيرا والنفاق في قلوبهم.

السابقالتالي
2 3