الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ } * { كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ } * { وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } * { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً } * { وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً } * { كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } * { وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } * { وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكْرَىٰ } * { يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي } * { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } * { وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ } * { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } * { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } * { فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي } * { وَٱدْخُلِي جَنَّتِي }

{ فَأَمَّا ٱلإِنسَانُ إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ } امتحنه { رَبُّهُ } بالنعمة والوسعة. { فَأَكْرَمَهُ } بالمال { وَنَعَّمَهُ } بما وسّع عليه من الأفضال { فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَكْرَمَنِ } فيفرح بذلك ويُسر ويحمد عليه ويشكر، و { إِذَا مَا ٱبْتَلاَهُ } بالفقر { فَقَدَرَ } وضيّق وقتّر { عَلَيْهِ رِزْقَهُ } { فَيَقُولُ رَبِّيۤ أَهَانَنِ } أذلّني بالفقر، ولم يشكر الله على ما أعطاه من سلامة الجوارح ورزقه من العافية والصحّة. قال قتادة: ما أسرع كفر ابن آدم.

وقراءة العامّة { فَقَدَرَ } بتخفيف الدال، وقرأ أبو جعفر وابن عامر بالتشديد، وهما لغتان وكان أبو عمرو يقول: قدرَ بمعنى قتّر وقدر هو أن يعطيه ما يكفيه ولو فعل ذاك ما قال: { رَبِّيۤ أَهَانَنِ } ، ثمّ ردّ عليه فقال: { كَلاَّ } لم أبتلِهِ بالغنى لكرامته عليّ ولم ابتلِهِ بالفقر؛ لهوانه عليّ وأنّ الفقر والغنى من تقديري وقضائي. فلا أُكرم من أكرمته بالغنى وكثرة الدنيا، ولا أُهين من أهنته بالفقر وقلّة الدنيا، ولكني إنّما أكرم من أكرمته بطاعتي، وأُهين من أهنته بمعصيتي، وقال الفراء: معنى كلا لم ينبغِ له أن يكون هذا ولكن ينبغي أن يحمده على الأمرين على الغنى والفقر.

ثم قال: { بَل لاَّ تُكْرِمُونَ ٱلْيَتِيمَ } يعني أهنت من أهنت من أجل أنّه لا يُكرم اليتيم.

واختلف القرّاء في هذه الآية فقرأ أهل البصرة يكرمون وما بعده كلّه بالياء، وقرأها الآخرون بالتاء { وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } قرأ أبو جعفر وأهل الكوفة { تَحَآضُّونَ } بالألف وفتح التاء، وروى الشذري عن الكسائي (تُحاضون) بضم التاء، غيرهم (تحضّون) بغير الألف. { وَتَأْكُلُونَ ٱلتُّرَاثَ } الميراث { أَكْلاً لَّمّاً } شديداً، قال الحسن: يأكل نصيبه ونصيب غيره. بكر بن عبد الله: اللّمّ الاعتداء في الميراث يأكل ميراثه وميراث غيره. ابن زيد: الأكل اللمّ الذي يأكل كلّ شيء يجده ولا يسأل عنه أحلال أم حرام، ويأكل الذي له والذي لغيره، وذلك أنّهم كانوا لا يورثون النساء ولا الصبيان، وقرأيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ } [النساء: 127] الآية قال أبو عبيدة يقال: لممّتُ ما على الخوان إذا أتيت على ما عليه وأكلته كلّه أجمع. { وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً } كثيراً يقال جمّ الماء في الحوض إذا كثر واجتمع. { كَلاَّ } ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر ثمّ أخبر ممن تلهّفهم على ما سلف منهم حين لا ينفعهم فقال عزّ من قائل: { إِذَا دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } مرّة بعد مرّة فيكسر كلّ شيء على ظهرها.

{ وَجَآءَ رَبُّكَ } قال الحسن: أمره وقضاؤه، وقال أهل الإشارة: ظهر قدرة ربّك وقد استوت الأُمور وأنّ الحقّ لا يوصف يتحوّل من مكان إلى مكان وأنّى له التجوّل والتنقّل ولا مكان له ولا أوان ولا تجري عليه وقت وزمان؛ لأنّ في حرمان الوقت على الشيء فوت الأوقات، ومن فاته شيء فهو عاجز، والحقّ ينزّه أن تحوي صفاته الطبائع أو تحيط به الصدور.

السابقالتالي
2 3 4 5