الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ } * { خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } * { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } * { إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ } * { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } * { فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ } * { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ } * { وَٱلأَرْضِ ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } * { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ } * { وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ } * { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً } * { وَأَكِيدُ كَيْداً } * { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً }

{ فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ } أي من أي شيء خلقه ربُّه، ثم بيّن جل ثناؤه فقال سبحانه وتعالى: { خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } أي مدفوق مصبوب في الرحم وهو المني، فاعل بمعنى مفعول كقولهم سرُّ كاتم، وليلٌ نائم، وهمّ ناصب، وعيشةٌ راضية، قال الفراء: أعان على ذلك أنها رؤوس الآيات التي معّهن.

والدفق: الصب، تقول العرب للموج إذا علا وانحط: تدفق واندفق وأراد من مائين: ماء الرجل وماء المرأة؛ لأن الولد مخلوق منهما، ولكنه جعله ماء واحداً لامتزاجهما.

{ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } يعني صلب الرجل وترائب المرأة، واختلفوا في الترائب، فقال ابن عباس: موضع القلادة، الوالي عنه: بين ثدي المرأة، وعن العوفي عنه: يعني بالترائب اليدين والرجلين والعينين، وبه الضحاك، وعن ابن عليّة عن أبي رجاء قال: سئل عكرمة عن الترائب فقال: هذه ووضع يده على صدره بين ثدييه. سعيد بن جبير: الجيد. ابن زيد: الصدر. مجاهد: ما بين المنكبين والصدر. سفيان: فوق الثديين. يمان: أسفل من التراقي. قتادة: النحر. جعفر بن سعيد: الأضلاع التي أسفل الصلب. ليث عن معمر بن أبي حبيبة المدني قال: عصارة القلب، ومنه يكون الولد، والمشهور من كلام العرب أنهما عظام النحر والصدر، وواحدتها تربية. قال الشاعر:
وبدت كان ترائبا نحرها   جمر الغضا في ساعة يتوقّد
وقال آخر:
والزعفران على ترائبها   شرق به اللَّبات والصدر
وقال المثقب العبدي:
ومن ذهب يسن على تريب   كلون العاج ليس بذي غضون
{ إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ } قال قتادة: إنّ الله سبحانه على بعث الإنسان واعادته بعد الموت قادر، وقال عكرمة: إن الله سبحانه على ردِّ الماء إلى الصلب الذي خرج منه لقادر، وعن مجاهد: على ردِّ النطفة في الإحليل، وعن الضحاك: إنه على ردِّ الإنسان ماء كما كان قبل لقادر، مقاتل بن حيان عنه: يقول: إنّ شئت ردرته من الكبر إلى الشباب ومن الشباب إلى الصبى، ومن الصبى إلى النطفة، وعن ابن زيد: أنه على حبس ذلك الماء لقادر حتى لا يخرج.

وأولى الأقاويل: بالصواب تأويل قتادة لقوله تعالى: { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } أي تظهر الخفايا، وقال قتادة ومقاتل وسعيد بن جبير عن عطاء بن أبي رباح: السرائر: فرائض الأعمال كالصّوم والصلاة والوضوء وغسل الجنابة، ولو شاء العبد أن يقول قد صمت وليس بصائم وقد صلّيت ولم يصلّ وقد أغتسلت ولم يغتسل لفعل.

أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا طلحة وابن البواب قال: حدّثنا أبو بكر بن مجاهد قال: حدّثنا إسماعيل عن عبد الله بن إسماعيل عن ابن زيد { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } قال: السرائر: الصلاة والصيام وغسل الجنابة، ودليل هذا التأويل ما أخبرنا الحسين قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن إسحاق قال: أخبرني عروبة قال: حدّثنا هاشم بن القاسم الحراني قال: حدّثنا عبد الله بن وهب عن يحيى بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الجبلي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2