الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } * { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ } * { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ }

{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } ليصرفوا عن دين الله الناس.

قال سعيد بن جبير: وابن ابزى نزلت في أبي سفيان بن حرب استأجر يوم أُحد ألفين من [الأحابيش] يقاتل بهم النبيّ صلى الله عليه وسلم [سوى] من أشخاص من العرب. وفيهم يقول كعب بن مالك:
فجينا إلى موج البحر وسطه   أحابيش منهم حاسر ومقنع
وفينا رسول الله نتبع قوله   إذ قال فينا القول لاينقطع
ثلاثة الألف ونحن نظنه ثلاث   مئين أن كثرن فاربع
وقال الحكم بن عيينة: نزلت في أبي سفيان بن حرب حيث أنفق على المشركين يوم أُحُد أربعين أوقية وكانت أوقيته اثنين وأربعين مثقالاً.

وقال ابن إسحاق عن رجاله: لما أُصيبت قريش من أصحاب القليب يوم بدر، فرجع فِيَلهم إلى مكّة ورجع أبو سفيان ببعيره إلى مكّة [مشى] عبد الله بن أبي ربيعة وعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أميّة في رجال من قريش أُصيب أباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم يوم [بدر] فكلّموا أبا سفيان بن حرب ومَنْ كانت له في تلك العير من قريش تجارة، فقالوا: يا معشر قريش إن محمداً قد وتركم وقتل خياركم فأعينونا بهذا المال الذي أفلت على حربه أملنا أن ندرك منه ثأراً بمن أُصيب منا، ففعلوا فأنزل الله فيهم هذه الآية. وقال الضحاك: هم أهل بدر.

وقال مقاتل والكلبي: نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا اثني عشر رجلا: عتبه وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس وبنيه ومنبه ابنا الحجّاج البحتري بن هشام والنضر بن حارث وحكم بن حزام وأبي بن خلف، وزمعة بن الأسود والحرث بن عامر ونوفل والعباس بن عبد المطلب كلهم من قريش، وكان يطعم كل واحد منهم عشر جزر.

قال الله { فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ } ولا يظفرون { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } منهم خصّ الكفّار لأجل مَنْ أسلم منهم { إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ * لِيَمِيزَ ٱللَّهُ } بذلك الحشر { ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ } الكافر من المؤمن فيدخل الله المؤمن الجنان والكافر النيران.

وقال الكلبي: يعني العمل الخبيث من العمل الطيب الصالح فيثيب على الأعمال الصالحة الجنّة ويثيب على الأعمال الخبيثة النار.

قرأ أهل الكوفة والحسن وقتادة والأعمش وعيسى: { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ } بالتشديد.

واختاره أبو عبيد وأبو حاتم.

وقال ابن زيد: يعني الإنفاق الطيب في سبيل الله من الإنفاق الخبيث في سبيل الشيطان فجعل نفقاتهم في قعر جهنم ثمّ يقال لهم: الحقوا بها.

وقال مرّة الهمداني: يعني يميز المؤمن في علمه السابق الذي خلقه حين خلقه طيباً من الخبيث الكافر في علمه السابق الذي خلقه خبيثاً، وذلك أنّهم كانوا على ملة الكفر فبعث الله الرسول بالكتاب ليميّز [الله] الخبيث من الطيب فمن [أطاع] استبان أنّه طيب ومن خالفه استبان أنّه خبيث { وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ } بعضه فوق بعض { فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً } أي يجمعه حتّى يصيّره مثل السحاب الركام وهو المجتمع الكثيف { فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ } فوحد الخبر عنهم لتوحيد قول الله تعالى { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ } ثمّ قال { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } فجمع، رده إلى أول الخبر، يعني قوله: { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ } { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } الذين غنيت صفقتهم وخسرت تجارتهم لأنّهم اشتروا بأموالهم عذاب الله في الآخرة { قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } أبي سفيان وأصحابه { إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ } ان ينتهوا من الشرك وقال محمد: يغفر لهم { مَّا قَدْ سَلَفَ } من عملهم قبل الإسلام { وَإِنْ يَعُودُواْ } لقتال محمد صلى الله عليه وسلم { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ } في نصر الأنبياء والأولياء وهلاك الكفّار والأعداء مثل يوم بدر.

السابقالتالي
2