الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

{ إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَابِّ } يعني أن شرّ [الدواب] على وجه الأرض من خلق الله { عِندَ ٱللَّهِ } فقال الأخفش: كل محتاج إلى غذا فهو دابة.

{ ٱلصُّمُّ ٱلْبُكْمُ } عن الحق كأنّهم لا يسمعون ولا ينطقون.

قال ابن زيد: هم صم القلوب وبكمها وعميها. وقرأفَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [الحج: 46].

وقال ابن عباس وعكرمة: هم بنو عبد الدار بن قصي كانوا يقولون نحن صُمٌّ بُكم عُمّي عن مخاطبة محمد لا نسمعه ولا نجيبه، [فكانوا] جميعاً [بأُحد]، وكانوا أصحاب اللواء ولم يسلم منهم إلاّ رجلان مصعب بن عمير وسويبط بن حرملة { ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ } أمر الله { وَلَوْ عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً } صدقاً وإسلاماً { لأَسْمَعَهُمْ } لرزقهم الفهم والعلم بالقرآن { وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ } عن القرآن { وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ } عن الإيمان بالقرآن لعلم الله فيهم وحكمه عليهم بالكفر { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } اختلفوا في قوله (لما يُحييكم):

فقال السدي: هو الإيمان يحييهم بعد موتهم أي كفرهم. وقال مجاهد: للحق. وقال قتادة هو هذا القرآن فيه الحياة والفقه والنجاة والعصمة في الدنيا والآخرة.

وقال ابن إسحاق: لما يحييكم يعني الحرب والجهاد التي أعزكم الله بها بعد الذل. وقوّاكم بها بعد الضعف ومنعكم بها عن عدوكم بعد القهر منهم لكم.

وقال [القتيبي]: لمّا يحييكم: لما يُتقيكم، يعني الشهادة. وقرأ قولهبَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [آل عمران: 169] فاللام في قوله (لما) بمعنى إلى ومعنى الاستجابة في هذه الآية الطاعة يدلُّ عليه ما روى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: " مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أُبي بن كعب وهو قائم يصلّي فصاح له فقال: " تعال إلي " ، فعجل أُبي في صلاته ثمّ جاء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ما منعك يا أُبي أن تُجيبني إذا دعوتك؟ أليس الله يقول يا ايُّها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحييكم ".

قال: لا جرم يا رسول الله لا تدعوني إلاّ أجبتك وإن كنت مصلياً.

قال: " تحب أن أُعلمّك سورة لم تنزل في التوارة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلها "؟

قال أُبي: نعم يا رسول الله.

قال: " لا تخرج من باب المسجد حتّى تعلمها " والنبيّ صلى الله عليه وسلم يمشي يريد أن يخرج من المسجد فلما بلغ الباب ليخرج قال له أُبي: يا رسول الله، فوقف فقال: " نعم كيف تقرأ في صلاتك " فقرأ أُبي أُمّ القرآن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " والذي نفسي بيده ما أُنزلت في التوارة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن [مثلها] وإنّها لهي السبع المثاني التي أتاني الله عزّ وجلّ ".


السابقالتالي
2 3