الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ } * { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاۤءً حَسَناً إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { ذٰلِكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَافِرِينَ } * { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ }

{ يَآأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً } أي [مخفقين] متزاحفين بعضكم إلى بعض والتزاحف التداني والتقارب.

قال الأعشى:
لمن الضعائن سيرهن زحيف   عرم السفين إذا تقاذف مقذف
والزحف مصدر ولذلك لم يجمع كقولهم: قوم عدل ورضى { فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ } يقول: فلا تولّوهم ظهوركم فتنهزموا عنهم ولكن اثبتوا لهم { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } ظهره وقرأ الحسن ساكنة { إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ } أي متعطّفاً مستطرداً لقتال عدوّه بطلب عورة له تمكنه إصابتها فيكرّ عليه.

{ أَوْ مُتَحَيِّزاً } منضمّاً صابراً { إِلَىٰ فِئَةٍ } جماعة من المؤمنين يفيئون به بسهم الى القتال { فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } واختلف العلماء في حكم قوله { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } الآية هل هو خاص في أهل بدر أم هو في المؤمنين جميعاً.

فقال أبو سعيد الخدري: إنّما كان ذلك يوم بدر خاصة لم يكن لهم أن ينحازوا ولو انحازوا إلى المشركين، ولم يكن يومئذ في الأرض مسلم غيرهم ولا للمسلمين فيه غير النبيّ صلى الله عليه وسلم فأمّا بعد ذلك فإنّ المسلمين بعضهم فئة لبعض ممثّلة، قاله الحسن والضحاك وقتادة.

قال يزيد ابن أبي حبيب: أوجب الله لمن فرّ يوم بدر النار.

فقال { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } الآية. فلمّا كان يوم أُحد بعد ذلك قال:إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ } [آل عمران: 155] ثمّ كان يوم حنين بعد ذلك بسبع سنين. فقال:ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } [التوبة: 25]ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ } [التوبة: 27]. وقال عطاء بن أبي رباح: هذه الآية منسوخة بقوله { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ } [الأنفال: 66] الآية فليس لقوم أن يفروا من مثليهم فنسخت تلك الآية إلاّ هذه العدّة.

وقال الكلبي: من قبل اليوم مقبلاً أو مدبراً فهو شهيد ولكن سبق المقبل المدبر الى الجنة.

وروي جرير عن منصور عن إبراهيم قال: انهزم رجل من القادسية فأتى المدينة الى عمر. فقال: يا أمير المؤمنين هلكت فررت من الزحف، فقال عمر رضي الله عنه أنا فئتك.

وقال محمد بن سيرين: لمّا قُتل أبو عبيد جاء الخبر إلى عمر رضي الله عنه فقال لو أنحاز إليَّ فكنت له فئة [فأنا فئة] كل مسلم.

عبد الرحمن بن أبي ليلى " عن عبد الله بن عمر قال: كنّا في مُصيل بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فخاض الناس خيضة فانهزمنا وكنّا نفر، قلنا نهرب في الأرض حياءً ممّا صنعنا فدخلنا البيوت. ثمّ قلنا: يا رسول الله نحن الفارون. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بل أنتم الكرارون وإنّا فئة المسلمين ".

وقال بعضهم: بل حكمنا عام في كل من ولى عن العدو وفيهم مَنْ روى ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض أهله:

السابقالتالي
2 3 4