{ كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ * وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } يعني ولّى ذاهباً، اختلفت القراءة فيه فقرأ ابن محيضن ونافع وحمزة وخلف ويعقوب وحفص { إِذْ } بغير ألف. { أَدْبَرَ } بالألف، غيرهم هم ضده، واختاره أبو عبيد قال: لأنها أشّد موافقه للحرف الذي يليه، ألا تراه قال: { وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ } فكيف يكون في أحدهما إذا وفي الآخر إذ، وأبو حاتم قال: لأنه ليس في القرآن لجنبه إذ وأنما الأقسام بجنبها إذا. قال قطرب من قرأ { وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ }: يريد أقبل، من قول العرب دبر فلان أي جاء خلفي، فكأنّه دبر خلف النهار. قال أبو الضحى: كان ابن عباس يعيب على من يقرأ دبر ويقول: إنما يدبّر ظهر البعير، وقال الفراء: هما لغتان دبّر وأدبر. قال الشاعر:
صدعت غزالة قلبه بفوارس
تركت مسامعه كأمس الدابر
وقال أبو عمرو: دبّر لغة قريش. { وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ } قرأه العامة بالألف أي أضاء وأقبل، وقرأ ابن السميع وعيسى ابن الفضل سفر بغير ألف، وهما لغتان يقال: سفر وجه فلان وأسفر، إذا أضاء، ويجوز أن يكون من قولهم: سفرت المرأة إذا ألقت خمارها عن وجهها، ويحتمل أن يكون معناه نفي الظلام كما سفر البيت أي يكنس ويقال للمكنسة المسفرة. { إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ } يعني أن سفر لإحدى الأمور العظام وواحد الكبر كُبرى: { نَذِيراً لِّلْبَشَرِ } يعني أنّ النار نذير للبشر قال الحسن: والله ما أنذر الله بشيء أدهى منها، وهو نصب على القطع من قوله: { لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ }؛ لأنها معرفة ونذيراً نكرة. قال الخليل: النذير مصدر كالنكير، فلذلك وصف به المؤنث، وقيل: هو من صفة الله سبحانه مجازه: وما جعلنا أصحاب النار إلاّ ملائكة، نذيراً للبشر أي إنذاراً لهم. قال أبو رزين: أنا لكم منها نذير فاتقوها، وقيل: هو صفة محمد(عليه السلام)، ومعنى الكلام: يا أيّها المدثر قم نذيراً للبشر فأنذر، وهو معنى قول ابن زيد، وقرأ إبراهيم عن أبي غيلة نذير للبشر بالرفع على إضمار هو. { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ } في الخير والطاعة { أَوْ يَتَأَخَّرَ } عنها في الشر والمعصية نظيره ودليله{ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ } [الحجر: 24] يعني في الخير{ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ } [الحجر: 24] عنه قاله الحسن، وهذا وعيد لهم كقوله:{ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [الكهف: 29] يعني أنّه نذير لهما جميعاً. { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } مرتهنة بكسبها مأخوذة بعملها. { إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ } فإنهم لا يحاسبون ولا يرتهنون بذنوبهم ولكن يغفرها الله لهم ويتجاوزها عنهم كما وعدهم. قال قتادة: غلق الناس كلّهم إلاّ أصحاب اليمين واختلفوا فيهم. فأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن [شنبه] قال: حدّثنا رضوان بن أحمد قال: حدّثنا أحمد بن عبد الجبار قال: حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي اليقظان عن زاذان عن علي في قوله: { إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ } قال: هم أطفال المسلمين.