الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } * { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } * { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ } * { كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } * { فَلآ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ } * { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } * { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } * { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ } * { خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ }

{ فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ } فما بالهم كقوله سبحانه:فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ } [النساء: 88] وقوله سبحانه:فَمَا لَهُمْ عَنِ ٱلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ } [المدثر: 49].

{ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } مقبلين مسرعين عليك مادّي أعناقهم مديمي النظر إليك متطلّعين نحوك. وقد مرّ تفسير الإهطاع وهو نصب على الحال { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } حلقاً وفرقاً عصبة عصبة وجماعة جماعة متفرقين، والعزين: جماعات في تفرقة، واحدتها عزة ونظيرها في الكلام ثبته وثبتين وكره وكرين وقله وقلين، قال عنترة:
وقرن قد تركت لذي ولي   عليه الطير كالعضب العزين
وقال الراعي:
أخليفة الرحمن إنّ عشيرتي   أمسى سوائمهم عزين فلولا
وقال آخر:
كأن الجماجم من وقعها   خناطيل يهون شتى عزينا
وأخبرني عقيل أن المعافى أخبرهم عن ابن جرير، قال: حدّثنا بكار قال: حدّثنا مؤمل قال: حدّثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة عن أبي هريرة: " أن النبيّ صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم حلق حلق فقال: " ما لي أراكم عزين ".

قال المفسّرون: كان المشركون يجتمعون حول النبيّ صلى الله عليه وسلم ويتسمعون كلامه ولا ينتفعون به، بل يكذبونه ويكذبون عليه ويستهزؤون به وبأصحابه، ويقولون: دخل هؤلاء الجنّة كما يقول محمد، فلندخلها قبلهم وليكونن لنا فيها أكثر مما لهم فأنزل الله سبحانه: { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ } قرأ الحسن وطلحة بفتح الياء وضم الخاء، ومثله روى المفضل عن عاصم، الباقون ضده { كَلاَّ } لايدخلونها ثمّ ابتدأ فقال: { إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } أي من نطفة ثمّ علقة ثمّ مضغة فلا يستوجب الجنّة أحد منهم بكونه شريفاً؛ لأنّ مادة الخلق واحدة بل يستوجبونها بالطاعة، قال قتادة في هذه: إنّما خلقت يابن آدم من قذر فاتق إلى الله.

أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا محمد بن عبد الله بن برزة قال: حدّثنا محمد بن سليمان ابن الحرث الباغندي قال: حدّثنا عارم أبو النعمين السدوسي، قال: حدّثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك، قال: كان أبو بكر الصديق إذا خطبنا ذكر مناتن ابن آدم فذكر بدء خلقه أنّه يخرج من مخرج البول مرتين، ثمّ يقع في الرحم نطفة، ثمّ علقة، ثمّ مضغة، ثمّ يخرج من بطن أمه فيتلوث في بوله وخراه حتّى يقذر أحدنا نفسه.

وأخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا موسى بن محمد بن عليّ، قال: حدّثنا جعفر بن محمد الفريابي، قال: حدّثنا صفوان بن صالح قال: حدّثنا الوليد بن مسلم قال: حدّثنا جرير بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة عن جبير بن نفير عن بسر بن جحاش قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وبصق يوماً في كفه ووضع عليها أصبعه فقال: " يقول عزّوجلّ بني آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حتّى إذا سوّيتك وعدّلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت حتّى إذا بلغت التراقي قلت: أتصدّق وأنى أوان الصدقة ".


السابقالتالي
2