الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } * { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوْاْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَٰتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَٰهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَٰتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ } * { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ } * { أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ ٱلأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَآ أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } * { تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَٰفِرِينَ } * { وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَآ أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ }

{ وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ } فيه اضمار واختصار يعني فكذبّوه { إِلاَّ أَخَذْنَا } عاقبنا { أَهْلَهَا } حين لم يُؤمنوا { بِٱلْبَأْسَآءِ } يعني بالبؤس الشدّة وضيق العيش { وَٱلضَّرَّآءِ } تعني أضر وهو الحال. وقيل: المرض والزمناء قال: السدي البأساء يعني الفقر والجوع { لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } لكي يتضرعوا [فينيبوا] ويتوبوا { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ } وهي البأساء والجواب والجوع { ٱلْحَسَنَةَ } يعني النعمة والسعة والرخاء والخصب { حَتَّىٰ عَفَوْاْ } أي كثروا وأثروا وكثرت أموالهم وأولادهم، قال ابن عباس: (عفوا) يعني [جهدوا]، وقال ابن زيد: يعني كثروا كما يكثر النبات والريش.

قال قتادة: (حتّى عفوا): سروا بذلك، وقال مقاتل بن حيان: (عفوا) حتى كثروا وتركوا ولم يستكثروا وأصله من الكثرة.

وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى ".

وقال الشاعر:
يقول من بعد أُولاك أولات   أتوا زماناً ليس عندهم بعيد
وقال آخر:
ولكنا نعض السيف منها   بأسوق عافيات الشحم كوم
{ وَّقَالُواْ } من جهلهم وغفلتهم { قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ } فنحن مثلنا فقال الله تعالى { فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً } [فجأة عِبرة لمن بعدهم]. { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } بنزول العذاب { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ } يعني وحدوا الله وأطاعوه { لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } يعني المطر { وَٱلأَرْضِ } يعني النبات، وأصل البركة المواضبة على الشيء تقول: برك فلان على فلان إذا [أجابه، وبركات الأرض أي] تابعنا عليهم بالمطر والنبات والخصب ورفعنا الحرث والقحط { وَلَـٰكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُمْ } فجعلنا لهم العقوبات { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من الكفر والمعصية والأعمال الخبيثة.

{ أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ } الذين كفروا وكذّبوا { أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ } آمنون.

{ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَىٰ أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى } نهاراً { وَهُمْ يَلْعَبُونَ } لاهون.

{ أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ } ومعني (مكر) استدراج القوم بما أراهم في دنياهم.

قال قتادة: مكر الله استدراجه بطول الصحة وتظاهر النعم، وقال عطيّة: يعني أخذه وعذابه، وحكى [الشبلي] أنه سئل عن مكر الله فأجاب بقول:
محبتك لا ببعضي بل بكلي   وإن لم يبقَ حبك لي حراكاً
ومقبح من موالد ليفع   ل سنتي ويفعله فيحسن
فقال السائل: اسأله عن آية من كتاب الله ويجيبني من الشعر فعلم الشبلي أنه لم يفطن لما قال، فقال: يا هذا [....] إياهم على ما هم فيه.

{ أَوَلَمْ يَهْدِ } قرأ أبو عبد الرحمن وقتادة ويعقوب في رواية زيد (نهد) بالنون على التعظيم والباقون بالياء على [التفريد] { لِلَّذِينَ يَرِثُونَ } يستخلفون في { ٱلأَرْضَ } بعد هلاك آخرين قبلهم كانوا أهلها فساروا بسيرتهم [....] ربّهم { أَن لَّوْ نَشَآءُ أَصَبْنَاهُمْ } أهلكناهم { بِذُنُوبِهِمْ } بما أهلكنا من قبلهم { وَنَطْبَعُ } نختم { عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ } الهدى ولا يقبلون الموعظة { تِلْكَ ٱلْقُرَىٰ } هذه القرى التي ذكرت لك وأهلكناهم وهي قرى نوح وعاد وثمود وقوم لوط وشعيب { نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا } نخبرك أخبارها { وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ } [بالآيات والعلامات والدلالات] { فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ } اختلف في تأويله.

السابقالتالي
2