الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ ويَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } * { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } * { فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ } * { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { قَالَ ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } * { قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ }

{ وَيَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ * فَوَسْوَسَ } يعني إليهما ومعناه فحدث إليهما { ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا } يعني ليظهر لهما ما غطى وستر عنهما من عوراتهما، وقال وهب: كان عليهما نور لا يرى سوءاتهما ثمّ بين الوسوسة { وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا } ياآدم وحواء { رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } يعني إلاّ أن تكونا وكراهيّة أن يكونا من الملائكة يعملان الخير والشر.

وقرأ ابن عباس والضحاك ويحيى بن أبي معين: ملكين بكسر اللام من الملك أخذوها من قولههَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } [طه: 120].

{ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } من الباقين الذين لا يموتون { وَقَاسَمَهُمَآ } أي أقسم وحلف لهما، وقاسم من المفاعلة أي يختصّ الواحد مثل المعافاة المعاقبة والمناولة.

قال خالد بن زهير:
وقاسمهما بالله جهداً لأنتم   ألذ من السلوى إذا ما نشورها
قال قتادة: حلف لهما بالله عزّ وجلّ حتّى خدعهما وقد يخدع المؤمن بالله فقال: إني خُلقت قبلكما وأنا أعلم منكما فاتبعاني أرشدكما، وكان بعض أهل العلم يقول: من خادعنا بالله خدعنا.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن غر كريم، والفاجر خبُّ لئيم ".

[وحدّثنا] أبو القاسم الحبيبي في بعضها. قال: أنشدنا أبو الحسن المظفّر بن محمد بن غالب قال: أنشدنا نفطويه:
إن الكريم إذا تشاء خدعته   وترى اللئيم مجرباً لا يخدع
{ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ * فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ } يعني فخدعهما يقال: ما زال فلان يدلي لفلان يعرّفُة، يعني مازال يخطّئه ويكلّمه بزخرف القول الباطل، وقال مقاتل: فزين لهما الباطل.

وقال الحسن بن الفضل: يعني تعلقهما بغرور، يقال: تدلي بنفسه ودلى غيره. ولا يكون التدلّي إلاّ من علو إلى أسفل، وقيل أصله دللهما فأبدل من إحدى اللامات ياء، كقوله: [تمطّى] و[دسّاها]، وقال أبو عبيدة: دلّيهما أخذ لهما وكلاهما من تدلين الدلو إذا أرسلتها في البئر لتملأها { فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ } أكلا منها ووصل إلى بطنيهما { بَدَتْ } ظهرت { لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا } عوراتهما وتهافت عنهما لباسهما حتّى أبصر كل واحد منهما ما ورى عنه من عورة صاحبه وكانا لا يريان ذلك.

قال قتادة: كان لباس آدم وحوّاء في الجنّة ظفر أكله فلما واقعا الذنب كشط عنهما وبدت سوءاتهما فأستحيا { وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ } [يوقعان] ويشدان [ويمزّقان ويصلاّن] { عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ } وهو ورق التين حتّى صار بهيئة الثوب ومنه خصف النعل.

وروى أُبي بن كعب: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كان آدم رجلاً [طوّالا] كأنّه نخلة (سحوق) كثير شعر الرأس فلمّا وقع في الخطيئة بدت له سوءاته وكان لا يراها فانطلق هارباً في الجنّة فعرضت له شجرة من شجر الجنّة فَحَسِبَهُ بشر. فقال: أرسلني، قالت: لست بمرسلتك، فناداه ربّه يا آدم أمنّي تفر، قال: لا يا رب ولكنّي أستحيي منك ".


السابقالتالي
2