الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ } * { وَلَمَّا سُقِطَ فِيۤ أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ }

{ وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ } أي من بعد انطلاقه إلى الجبل { مِنْ حُلِيِّهِمْ } التي استعاروها من قوم فرعون.

وكانت بنو إسرائيل في القبط بمنزلة أهل الجزية في الإسلام، وكان لهم يوم عيد يتزينون فيه ويستعيرون من القبط الحلي فزامن ذلك عيدهم فاستعادوا الحلي للقبط فلما أخرجهم الله من مصر وغرق فرعون بقيت تلك الحلي في أيديهم فاتخذ السامري منها عجلاً وهو ولد البقر { عِجْلاً جَسَداً } مجسّد لا روح فيه.

وقال وهب: جسداً لحماً ودماً { لَّهُ خُوَارٌ } وهو صوت البقر خار خورة واحدة ثمّ لم تعد. وقال وهب: كان يسمع منه الخوار إلاّ أنّه لا يتحرك. وقرأ عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه: خوار بالجيم والهمز وهو الصوت أيضاً واختلفت القراء في قوله [حليهم]، فقرأ يعقوب بفتح الحاء وجزم اللام وتخفيف الياء على الواحد.

وقرأ حمزة والكسائي: حليّهم بكسر الحاء وتشديد الياء، الباقون بضم الحاء وهما لغتان مثل [صلى] وجثى وبكى [وعثى] يجوز فيها الكسر والضم { أَلَمْ يَرَوْاْ } يعني الذين عبدوا العجل من دون الله { أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً } قال الله { ٱتَّخَذُوهُ } عبدوه واتخذوه إلهاً { وَكَانُواْ ظَالِمِينَ } كافرين { وَلَمَّا سُقِطَ فِيۤ أَيْدِيهِمْ } أي ندموا على عبادة العجل وهذا من فصيحات القرآن.

والعرب تقول لكل نادم أو عاجز عن شيء: سقط في يديه وأسقط، وهما لغتان وأصله من [الاستئسار] وذلك أن يضرب الرجل الرجل أو يصرعه فيرمي به من يديه إلى الأرض ليأسره فيكتفه، والمرمي فيه مسقوط في يد الساقط.

{ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا } يتب علينا ربنا { وَيَغْفِرْ لَنَا } ويتجاوز عنا { لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } بالعقوبة { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً } قال أبو الدرداء: الأسف منزلة وراء الغضب أشد منه، وقال ابن عباس والسدي: [رجع حزيناً من صنيع قومه] قال الحسن بن غضبان: حزيناً { قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ } أي بئس الفعل فعلتم بعد ذهابي، يقال: منه خلفه بخير أو شر إذا ألاه في أهله أو قومه بعد شخوصه عليهم خيراً أو شراً.

{ أَعَجِلْتُمْ } أسبقتم { أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ } غضباً على قومه حين عبدوا العجل، وقال قتادة: إنّما ألقاها حين سمع من فضائل أُمّة محمد صلى الله عليه وسلم وفي الألواح: قال: يا رب اجعلني من أُمّة محمد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يرحم الله أخي موسى ما المخبر كالمعاين لقد أخبره الله بفتنة قومه فعرف أنّ ما أخبره الله حق وأنه على ذلك لمتمسّك بمّا في يديه، فرجع إلى قومه ورآهم فغضب وألقى الألواح ".

قالت الرواة: كانت التوراة سبعة أسباع فلمّا ألقى الألواح تكسرت فوقع منها ستة أسباع وبقي سبع وكان فيها رُقع موسى وفيما بقي الهدى والرحمة { وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ } أي لحيته وذقنه { يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } وكان هرون أكبر من موسى بثلاث سنين وأحبّ إلى بني إسرائيل من موسى، لأنه كان لين الغضب { قَالَ } هرون عند ذلك يا { ٱبْنَ أُمَّ } قرأ [أهل] الكوفة بكسر الميم هاهنا وفي طه أراد يا بن أُمي فحذف ياء الإضافة، لأنه مبنى النداء على الحذف وأبقى الكسرة في الميم لتدل على الاضافة كقوله

السابقالتالي
2