الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } * { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } * { قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّاغِرِينَ } * { قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ } * { قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } * { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } * { قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ }

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ } قال ابن عباس: خلقنا أصلكم وأباكم آدم { ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } في أرحام أُمهاتكم قال قتادة والربيع والضّحاك والسدي: أمّا خلقناكم فآدم وأمّا صوّرناكم فذرّيّته. قال مجاهد: خلقنا آدم ثمّ صوّرناكم في ظهر آدم.

وقال عكرمة: خلقناكم في أصلاب الرجال وصورناكم في أرحام النساء قال عطاء: خلقوا في ظهر آدم ثمّ صوروا في الأرحام.

وقال يمان: خلق الإنسان في الرحم ثمّ صوّره ففتق سمعه وبصره وأصابعه، فإن قيل: ما وجه قوله { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } وإنّما خلقنا بعد ذلك وثمّ يوجب الترتيب والتراخي. كقول القائل: قمت ثمّ قعدت لا يكون القعود إلاّ بعد القيام.

قلنا: قال قوم: على التقديم والتأخير، قال يونس: الخلق والتصوير واحد [......] إلينا، كما نقول: قد ضربناكم وإنّما ضربت سيّدهم، قال الأخفش: ثمّ بمعنى الواو ومجازه: قلنا، كقول الشاعر:
سألت ربيعة من خيرها   أباً ثم أُماً فقالت لمّه
أراد أباً وأُمّا.

{ فَسَجَدُوۤاْ } يعني الملائكة { إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ } لآدم فقال الله لإبليس حين امتنع من السجود لآدم { قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } قال بعضهم: لا زائدة [وإن صلة] تقدير الكلام: ما منعك السجود لآدم، لأن المنع يتعدّى إلى مفعولين قال الله عزّ وجلّ:وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } [الأنبياء: 95].

قال الشاعر:
ويلحينني في اللهو أن لا أحبه   وللهو داع دائب غير غافل
أراد: أن أُحبُّة.

وقال آخر:
فما ألوم البيض أن لا تسخروا   لما رأيتي الشمط القفندرا
وقال آخر:
أبى جوده لا البخل واستعجلت به   نعم الفتى لا يمنع الجود قاتله
أراد: أبى جوده البخل.

سمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا الهيثم الجهني يحكي عن أحمد بن يحيى ثعلب قال: كان بعضهم يكره القالا، وتناول في المنع بمعنى القول، لأن القول والفعل يمنعان، وتقديره: من قال لك لا تسجد. قال بعضهم: معنى المنع الحول بين المرء وما يريد. والممنوع مضطر إلى خلاف ما منع منه فكأنّه قال: أي شيء اضطرّك إلى أن لا تسجد.

{ إِذْ أَمَرْتُكَ } قال إبليس مجيباً له { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } لأنّك { خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ } والنار خير وأفضل واصفى وأنور من الطين قال ابن عباس: أوّل مَنْ قاس إبليس. فأخطأ القياس فمَنْ قاس الدين بشيء من رأيه قرنه مع إبليس.

وقال ابن سيرين: أوّل مَنْ [قاس] إبليس، وما عبدت الشمس والقمر إلاّ بالمقاييس.

وقالت الحكماء: أخطأ عدو الله حين فضّل النار على الطين، لأن الطين أفضل من النار من وجوه:

أحدها: إنّ من جوهر الطين الرزانة والسكون والوقار والاناة والحُلم والحياء والصبر، وذلك هو الداعي لآدم في السعادة التي [سبقت] له إلى التوبة والتواضع والتضرّع وأدرته المغفرة والاجتباء والهداية والتوبة ومن جوهر النار الخفّة والطيش والحدّة والارتفاع والاضطراب، وذلك الداعي لإبليس بعد الشقاوة التي سيقت له إلى الاستكبار والاصرار فأدركه الهلاك والعذاب واللعنة والشقاق.

السابقالتالي
2 3 4